Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 69-69)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إن المعنى " ودت " هو " تمنت " و " أحبت " . ولماذا أحبوا أن يُضلوا المؤمنين ؟ لأن المنحرف حين يرى المستقيم ، يعرف أنه كمنحرف لم ينجح في أن يضبط حركته على مقتضى التكليف الإيماني لـ " افعل " و " لا تفعل " ، أما الملتزم المؤمن فقد استطاع أن يضبط نفسه ، وساعة يرى غير الملتزم إنساناً آخر ملتزماً ، فإنه يحتقر نفسه ويقول بينه وبين نفسه حسداً للمؤمن : لماذا وكيف استطاع هذا الملتزم أن يقدر على نفسه ؟ ويحاول المنحرف أن يأخذ الملتزم إلى جانب الانحراف ، وعندما لا يستطيع جذب الملتزم إلى الانحراف فهو يسخر منه ، ويهزأ به ، ويحاول أن يحتال عليه ليأخذه إلى جانب الانحراف . ألم يقل الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } [ المطففين : 29 - 33 ] . وهذا ما يحدث الآن عندما يرى أهل الانحراف إنساناً مؤمناً ذا استقامة ، فيسخرون منه بكلمات كالتي تسمعها " خذنا على جناحك " أو يحاول النيل من إيمانه وعندما يعود أهل الانحراف إلى أهلهم فهم يروون بتندر كيف سخروا من المؤمنين ، وكأنهم يحققون السعادة لهؤلاء الأهل بحكايات السخرية من الإنسان المؤمن ، ويطمئن الحق المؤمنين بأن لهم يوماً يضحكون فيه من هؤلاء الكفار : { فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ } [ المطففين : 34 - 35 ] . ويسأل الحق أهل الإيمان : { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 36 ] . أي قد عرفتم كيف أجازي بالعقاب أهل الكفر . لذلك فأولى الناس بإبراهيم هم المؤمنون برسالة محمد عليه الصلاة والسلام . ولا يفتأ بعض من أهل الكفر من محاولة جذب المؤمنين إلى الضلال . إنهم يحبون ذلك ويتمنونه ، ولكن ليس كل ما يوده الإنسان يحدث ، فالتمني هو أن يطلب الإنسان أمراً مستحيلاً أو عسير المنال ، هم يحبون ذلك ولكن لن يصلوا إلى ما يريدون ، يشير إلى ذلك قوله تعالى : { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [ آل عمران : 69 ] . إنهم يتمنون إضلال المؤمنين ، لكن هل يستطيعون الوصول إلى ذلك ؟ لا : والمثال على ذلك هو ما فعله بعض أهل الكتاب من اليهود عندما ذهبوا إلى معاذ بن جبل وإلى حذيفة الصحابيين الجليلين ، وذهبوا أيضاً إلى عمار الصحابي الجليل وحاولوا فتنة معاذ وحذيفة وعمار لكنهم لم يستطعوا . وعلينا أن نعرف أن " الضلال " يأتي على معان متعددة ، فقد يأتي الضلال مرة بمعنى الذهاب والفناء في الشيء ، مثل قوله الحق : { وَقَالُوۤاْ أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } [ السجدة : 10 ] . لقد تساءل المشركون " أبعد أن نذوب في الأرض وتتفكك عناصرنا الأولية نعود ثانية ، ونُبعث من جديد ؟ " . وقد يأتي الضلال مرة أخرى بمعنى عدم اهتداء الإنسان إلى وجه الحق ، كما قال الحق وصفاً لرسوله صلى الله عليه وسلم عندما رفض عبادة الأصنام وظل يبحث عن المنهج الحق . { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ } [ الضحى : 7 ] . أي أنك يا محمد لم يعجبك منهج قريش في عبادة الأصنام ، وظللت تبحث عن المنهج الحق ، إلى أن هداك الله فأنزل إليك هذا المنهج القويم . لقد كنت ضالاً تبحث عن الهداية ، فجاءتك النعمة الكاملة من الله . وهناك لون آخر من الضلال ، وهو أن يتعرف الإنسان على المنهج الحق ، لكنه ينحرف عنه ويتجه بعيداً عن هذا المنهج مثل قول الحق : { وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ } [ آل عمران : 69 ] . ونتساءل : كيف يحدث إضلال النفس ؟ وتكون الإجابة هي : أن الضال الذي يعرف المنهج وينكره إنما يرتكب إثماً ، ويزداد هذا الإثم جُرماً بمحاولة الضال إضلال غيره ، فهو لم يكتف بضلال ذاته بل يزداد ضلالاً بمحاولته إضلال غيره . وهذا القول الكريم قد حل لنا إشكالاً في فهم قوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ … } [ فاطر : 18 ] . وفي فهم قوله - جل شأنه - : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } [ النحل : 25 ] . وهكذا نعرف أن الوزر في آية فاطر هو وزر الضلال في الذات والأوزار في سورة النحل هي لإضلال غيرهم فهولاء الضالون لا يكتفون بضلال أنفسهم ، بل يزيدون من ضلال أنفسهم أوزاراً بإضلال غيرهم ، فهم بذلك يزدادون ضلالاً مضافاً إلى أنهم يحملون أوزارهم كاملة . { وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [ آل عمران : 69 ] . إنهم لا يشعرون بالكارثة التي سوف تأتي من هذا الضلال المركب الذي سينالون عليه العقاب . ولو أنهم تعمقوا قليلاً في الفهم لتوقفوا عن إضلال غيرهم ، ولو بحثوا عن اليقين الحق لتوقفوا عن ضلال أنفسهم . ومن بعد ذلك يقول الحق : { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ … } .