Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 98-98)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وحين تسمع " قل " فهي أمر من الله لرسوله كما قلنا من قبل إنك إذا كلفت إنساناً أن يقول جملة لمن ترسله إليه فهل هذا الإنسان يأتي بالأمر " قل " أو يؤدي الجملة ؟ إنه يؤدي الجملة ، ومثال ذلك حين تقول لابنك مثلاً : " قل لعمك : إن أبي سيأتيك غداً " فابنك يذهب إلى عمه قائلاً : " أبي يأتيك غداً " . وقد يقول قائل : ألم يكن يكفي أن يقول الله للرسول : " قل يا محمد " فيبلغنا رسول الله يا أهل الكتاب لم تكفرون ؟ كان ذلك يكفي ، ولكن الرسول مبلغ الأمر نفسه من الله ، فكأنه قال ما تلقاه من الله ، والذي تلقاه الرسول من الله هو : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [ آل عمران : 98 ] وهذا يدل على أن الرسول يبلغ حرفياً ما سمعه عن الله وهناك آيات كثيرة في القرآن تبدأ بقول الحق : { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [ آل عمران : 98 ] ولا يأتي فيها قول الحق : " قل " . وهناك آيات تأتي مسبوقة بـ " قل " " ما الفرق بين الاثنين " ؟ نحن نجد أن الحق مرة يتلطف مع خلقه ، فيجعلهم أهلا لخطابه ، فيقول : { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَاب } [ آل عمران : 98 ] إنه خطاب من الله لهم مباشرة . ومرة يقول لرسوله : قل لهم يا محمد لأنهم لم يتساموا إلى مرتبة أن يُخاطبوا من الله مباشرة : فإذا ما وجدنا خطاباً من الحق للخلق ، مرة مسبوقاً بـ " قل " ومرة أخرى غير مسبوق فلْتعلم أن الحق سبحانه حين يخاطب خلقه الذين خلقهم يتلطف معهم مرة ، ويجعلهم أهلاً لأن يخاطبهم ، ومرة حين يجد منهم اللجاج فإنه يبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم : قل لهم . والمثال على ذلك - ولله المثل الأعلى - في حياتنا ، نجد الواحد منا يقول لمن بجانبه : قل لصاحب الصوت العالي أن يصمت . إن هذا القائل قد تَعَالَى عن أن يخاطب هذا الإنسان صاحب الصوت المرتفع فيطلب ممن يجلس بجانبه أن يأمر صاحب الصوت العالي بالسكوت . وحين يجيء الخطاب لأهل الكتاب فنحن نعرف أنهم اليهود أصحاب التوراة ، والنصارى أصحاب الإنجيل ، وهؤلاء هم من يقول عنهم الحق : { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَاب } [ آل عمران : 98 ] . ولم يقل أحد لنا : " يا أهل القرآن " لماذا ؟ لأن الحق حين يقول لهم : { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَاب } [ آل عمران : 98 ] فنحن نعرف أن الكتاب يُطلق على كل مكتوب ، وكفرهم يعارض ما علم الله أنه موجود في الكتاب الذي أنزل عليهم لأنه هو الذي أنزل الكتاب ، ويعلم أن ما في الكتاب يدعو إلى الإيمان ، ولا يدعو إلى الكفر . وما دام هو الحق الذي نَزَّل الكتاب ، وهو الشاهد ، فيصبح من الحمق من أهل الكتاب أن يوقعوا أنفسهم في فخ الكفر لأنهم بذلك يكذبون على الله : والله - سبحانه - يسجل عليهم أنهم خالفوا ما هو مكتوب ومنزل عليهم في كتابهم . إنهم - أهل الكتاب - إن استطاعوا تعمية أهل الأرض فلن يستطيعوا ذلك بالنسبة لخالق الأرض والسماء . والحق حين يقول : { لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 98 ] فهل نفهم من ذلك أن كفرهم بآيات الله هو سترهم آيات الله سترا أوليا أو أنهم آمنوا بها ، ثم كفروا بها ؟ لنرى ماذا حدث منهم ، لقد كانت البشارات به صلى الله عليه وسلم مكتوبة في التوراة ، ومكتوبة في الإنجيل وهم قد آمنوا بها قبل أن يجيء سيدنا رسول الله ، فلما جاء رسول الله بالفعل كفروا بها . وفي هذا جاء القول الحكيم : { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 89 ] . لماذا كفروا به صلى الله عليه وسلم ؟ لأنه زحزح عنهم السلطة الزمنية ، فلم تعد لهم السلطة الزمنية التي كانوا يبيعون فيها الجنة ويبيعون فيها رضوان الله ويعملون ما يحقق لهم مصالحهم دون التفات لأحكام الله . وسبق أن قلت : إن قريشاً قد امتنعت عن قول : " لا إله إلا الله " وهذا الامتناع دليل على أنها فهمت المراد من " لا إله إلا الله " ، فلو كانت مجرد كلمة تقال لقالوها ، لكنهم عرفوا وفهموا أنه لا معبود ولا مطاع ولا مشرع ، ولا مكلف إلا الله . إن الحق يقول لأهل الكتاب : { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً … } .