Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 9-9)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقولهم : " ربنا " نفهم منه أنه الحق المتولي التربية ، ومعنى التربية هو إيصال من تتم تربيته إلى الكمال المطلوب له ، فهناك ربٌّ يربي ، وهناك عبد تتم تربيته ، والربُّ يعطي الإنسان ما يؤهله إلى الكمال المطلوب له . والمؤمنون يرجون الله قائلين : يا رب من تمام تربيتك لنا أن تحمينا من عذاب الآخرة ، فإذا ما عشنا الدنيا وانتهت فنحن نعلم أنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، وما دمت ربا ، وما دمت إلهاً فإنك لا تخلف الميعاد فالذي يخلف الميعاد لا يكون إلها لأن الإله ساعة الوعد يعلم بتمام قدرته وكمال علمه أنه قادر على الإنفاذ ، إنما الذي ليس لديه قدرة على الإنفاذ لا يستطيع أن يعد إلا مشمولاً بشيء يستند إليه ، كقولنا نحن العباد : " إن شاء الله " لماذا ؟ لأن الواحد منا لا يملك أن يفي بما وعد . حينما تعرضنا إلى قول الحق سبحانه وتعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } [ الكهف : 23 - 24 ] . قُلنا إياك أن تقول : إني سأفعل شيئاً إلا أن تشتمله وتربطه بمشيئة الله لأنك أنت إن وعدت ، فأنت لا تضمن عمرك ولا إنفاذ وعدك ، إنك لن تفعل شيئاً إلا بإرادة الله ، لذلك فلا تعد إلا بالمشيئة ، لأنك تعد بما لا تضمن ، فأنت في حقيقة الأمر لا تملك شيئاً ، فإن أردت فعل أي شيء أو الذهاب إلى أي مكان فالفعل يحتاج إلى فاعل ومفعول وزمان ومكان وسبب ، ثم يحتاج إلى قدرة لتنفيذ الفعل . والإنسان لا يملك من هذه الأشياء إلا ما يشاء الله له أن يملكه . إن الإنسان لا يملك أن يظل فاعلاً . والإنسان لا يملك إن وُجد الفاعل أن يُوجد المفعول . والإنسان لا يملك الزمن ، ولا يملك المكان ، بل لا يملك الإنسان أن يظل السبب قائماً ليفعل ما كان يريد أن يفعله فكل هذه العناصر ، الفاعل والمفعول ، والزمان ، والمكان ، والسبب ، لا يملكها إلا الله . لذلك فليحم الإنسان نفسه من أن يكون كاذباً ومجازفاً وليكن في ظل قوله تعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً } [ الكهف : 23 - 24 ] . إن كلمة " إلا أن يشاء الله " تعصم الإنسان من أن يكون كاذباً . وعندما لا يحدث الذي يعد به الإنسان ، فمعنى ذلك أن الله لم يشأ لأن الإنسان لا يملك عنصراً واحداً من عناصر هذا الفعل . وعندما يقول الحق : { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [ آل عمران : 9 ] لأن الذي يخلف الميعاد إنما تمنعه قوة قاهرة تأتيه ولو من تغير نفسه تمنعه أن يفعل ، أما الله فلا تأتي قوة قاهرة لتغير ما يريد أن يفعل ، ولا يمكن أن يتغير لأن التغير ليس من صفات القديم الأزلي . وحين يؤكد الحق أنه سيتم جمعنا بمشيئته في يوم لا ريب فيه ، وأن الله لا يخلف الميعاد ، فمن المؤكد أننا سنلتقي . وسنلتقي لماذا ؟ لقد قال الراسخون في العلم : عملنا بالمحكم ، وآمنا بالمتشابه ، ودعوا الله أن يثبت قلوبهم على الهداية رحمة من عنده ، وأن يبعد قلوبهم عن الزيغ لأنهم خائفون من اليوم الذي سيجمع الله الناس فيه ، إننا سنلتقي للحساب على أفعالنا وإيماننا . وبعد ذلك يقول الحق جل شأنه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً … } .