Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ساعة تسمع وأنت المؤمن ، ويسمع معك الكافر ، ويسمع معك المنافق : { رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [ آل عمران : 9 ] ربما فكر الكافر أو المنافق أن هناك شيئاً قد ينقذه مما سيحدث في ذلك اليوم ، كعزوة الأولاد ، أو كثرة مال يشتري نفسه به ، أو خُلة ، أو شفاعة ، هنا يقول الحق لهم : لا ، إن أولادكم وأموالكم لا تغني عنكم شيئاً . وفي اللغة يقال : هذا الشيء لا يغني فلاناً ، أي أنه يظل محتاجاً إلى غيره لأن الغِنَى هو ألا تحتاج إلى الغير ، فالأموال والأولاد لا تُغني أحداً في يوم القيامة ، والمسألة لا عِزوة فيها ، لا أنساب بينهم يومئذ والجنة ليست للبيع ، فلا أحد يستطيع شراء مكان في الجنة بمال يملكه . وكان الكافرون على أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك القول الشاذ يقولون : ما دام الله قد أعطانا أموالاً وأولاداً في الدنيا فلا بد أن يعطينا في الآخرة ما هو أفضل من ذلك . ولذلك يقول الله لهم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } [ آل عمران : 10 ] إذن فالأمر كله مردود إلى الله . صحيح في هذه الدنيا أن الله قد يخلق الأسباب ، والكافر تحكمه الأسباب ، وكذلك المؤمن ، فإذا ما أخذ الكافر بالأسباب فإنه يأخذ النتيجة ، ولكن في الآخرة فالأمر يختلف فلن يملك أحد أسباباً ، ولذلك يقول الحق عن اليوم الآخر : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . إن البشر في الدنيا يملكون الأسباب ، ويعيشون مختلفين في النعيم على اختلاف أسبابهم ، واختلاف كدحهم في الحياة ، واختلاف وجود ما يحقق للإنسان المُتع ، لكن الأمر في الآخرة ليس فيه كدح ولا أسباب لأن الإنسان المؤمن يعيش بالمُسبب في الآخرة وهو الله - جلت قدرته - فبمجرد أن يخطر الشيء على بال المؤمن في الجنة فإن الشيء يأتي له . أما الكفار فلا يغني عنهم مالهم ولا أولادهم ، لأنهم انشغلوا في الدنيا بالمال والأولاد وكفروا بالله . { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ … } [ الفتح : 11 ] . إذن فما انشغل به الكفار في الدنيا لن ينفعهم ، ويضيف الحق عن الكفار في تذييل الآية التي نحن بصددها : { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 10 ] إنهم المعَذبون ، وسوف يتعذبون في النار . ولنر النكاية الشديدة بهم ، إن الذين يُعَذَّبون هم الذي يُعَذَّبُون لأنهم بأنفسهم سيكونون وقود النار . إن المعَذَّب - بفتح العين وفتح الذال مع التشديد - يكون هو المعَذِّب - بفتح العين وكسر الذال مع التشديد . فهذه ثورة الأبعاض . فذرّات الكافر مؤمنة ، وذرات العاصي طائعة ، والذي جعل هذه الذرات تتجه إلى فعل ما يُغضب الله هو إرادة صاحبها عليها . وضربنا قديماً المثل - ولله المثل الأعلى - وقلنا : هب أن كتيبة لها قائد ، فالمفروض في الكتيبة أن تسمع أمر القائد ، وتقوم بتنفيذ ما أمر به فإذا ما جاءوا للآمر والقائد الأعلى بعد ذلك فإنهم يرفعون أمرهم إليه ويقولون له : بحكم الأمر نفذنا العمل الذي صدر لنا من قائدنا المباشر وكنا غير موافقين على رأيه . وفي الحياة الإيمانية نجد القول الحكيم من الخالق : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] . فكان اللسان ينطق بكلمة الكفر وهو لاعِنٌ لصاحبه . واليد تتقدم إلى المعصية وهي كارهةٌ لصاحبها ولاعِنةٌ له ، إن إرادة الله العليا هي التي جعلت للكافر إرادة على يده ولسانه في الدنيا ، وينزع الله إرادة الكافر عن جوارحه يوم القيامة فتشهد عليه أنه أجبرها على فعل المعاصي ، وتعذب الأبعاض بعضها ، وعندما يقول الحق : { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } [ آل عمران : 10 ] وهنا مسألة يجب أن نلتفت إليها ونأخذها من واقع التاريخ ، هذه المسألة هي أن الذين كفروا برسالات الله في الأرض تلقوا بعض العذاب في الدنيا لأن الله لا يدّخر كل العقاب للآخرة وإلا لشقي الناس بالكافرين وبالعاصين ، ولذلك فإن الله يُعَجِّلُ بشيء من العقاب للكافرين والعاصين في هذه الدنيا . ويقول الحق مثالاً على ذلك : { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا … } .