Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 21-21)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلنا : إن الآية هي الشيء العجيب الذي يقف عنده العقل مندهشاً دهشةً تُورِث إعجاباً ، وإعجاباً يُورث يقيناً بحكمة الخالق . من هذه الآيات العجيبة الباهرة { أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً … } [ الروم : 21 ] يعني : من جنسكم ونوعكم . فلم يشأ سبحانه أنْ يحدث التكاثر مثلاً بين إنسان وبقرة ، لا إنما إنسان مع إنسان ، يختلف معه فقط في النوع ، هذا ذكر وهذه أنثى ، والاختلاف في النوع اختلاف تكامل ، لا اختلاف تعاند وتصادم ، فالمرأة للرقّة والليونة والحنان ، والرجل للقوة والخشونة ، فهي تفرح بقوته ورجولته ، وهو يفرح بنعومتها وأنوثتها ، فيحدث التكامل الذي أراده الله وقصده للتكاثر في بني الإنسان . وعجيب أنْ يرى البعض أن الذكورة نقيض الأنوثة ، ويثيرون بينهما الخلاف المفتعل الذي لا معنى له ، فالذكورة والأنوثة ضرورتان متكاملتان كتكامل الليل والنهار ، وهما آيتان يستقبلهما الناس جميعاً ، هل نُجري مقارنة بين الليل والنهار … أيهما أفضل ؟ لذلك تأمل دقة الأداء القرآني حينما جمع بين الليل والنهار ، وبين الذكر والأنثى ، وتدبّر هذا المعنى الدقيق : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 1 - 4 ] أي : مختلف ، فلكُلٍّ منكما مهمته ، كما أن الليل للراحة ، والسكون والنهار للسعي والعمل ، وبتكامل سَعْيكما ينشأ التكامل الأعلى . فلا داعي إذن لأنْ أطلب المساواة بالمرأة ، ولا أنْ تطلب المرأة المساواة بالرجل ، لقد صُدعت رءوسنا من هؤلاء المنادين بهذه المساواة المزعومة ، والتي لا معنى لها بعد قوله تعالى { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 4 ] . وعجيب أن نسمع من يقول - من الرجال - ينبغي للمرأة أن تحتل مكان الرجل ، وأنْ تؤدي ما يؤديه ، ونقول : لا تستطيع أن تُحمِّل المرأة مهمة الرجل إلا إذا حمَّلْتَ الرجل مهمة المرأة ، فيحمل كما تحمل ، ويلد كما تلد ، ويُرضِع كما تُرضِع ، فدعونا من شعارات البلطجية الذين يهرفون بما لا يعرفون . ومثل هذا قوله تعالى : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } [ التوبة : 128 ] أي : من جنسكم وبشريتكم ، فهو نفس لها كل طاقات البشر ، ليكون لكم أسوة ، ولو جاء الرسول مَلَكاً لما تحققتْ فيه الأسوة ، ولَقُلْتم هذا ملَك ، ونحن لا نقدر على ما يقدر هو عليه . أو { مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } [ التوبة : 128 ] يعني : من العرب ومن قريش . والبعض يرى أن { مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } [ التوبة : 128 ] يعني : خَلْق حواء من ضلع آدم ، فهي من أنفسنا يعني : قطعة منا ، لكن الكلام هنا { مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } [ التوبة : 128 ] مخاطب به الذكر والأنثى معاً ، كما أن الأزواج تُطلق عليهما أيضاً ، على الرجل وعلى المرأة ، والبعض يفهم أن الزوج يعني اثنين ، لكن الزوج مفرد معه مثله لذلك يقول تعالى : { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ … } [ الرعد : 3 ] . وفي الماضي كنا نعتقد أن نوع الجنين إنما يتحدد من ماء الرجل وماء المرأة ، لكن القرآن يقول غير ذلك : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } [ القيامة : 37 ] فماء المرأة لا دخلَ له في نوع الجنين ، ذكراً كان أم أنثى ، الذكورة والأنوثة يحددها ماء الرجل . وهذا ما أثبته العلم الحديث ، وعلى هذا نقول { خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً … } [ الروم : 21 ] يعني : من ذكور الأزواج ، خلق منك ميكروباً هو الإكس أو الإكس واي كما اصطلح عليه العلم الحديث ، وهو يعني الذكورة والأنوثة . وسبق أنْ ذكرنا في هذه المسألة قصة أبي حمزة الرجل العربي الذي تزوج على امرأته لأنها لا تنجب البنين ، وهجرها لهذا السبب فقالت بما لديها من سليقة عربية ، وقَوْلُها دليل على علم العرب قديماً بهذه الحقيقة التي أثبتها العلم مؤخراً ، قالت : @ مَا لأبي حَمْزةَ لا يأْتِينَا غَضْبان أَلاَّ نَلدَ البَنينَا تَالله مَا ذَلكَ في أَيْدينَا ونحن كالأرْضِ لِزَارِعينا نُعطي لَهُمْ مثْل الذي أُعْطينَا @@ والحق سبحانه بهذا يريد أن يقول : إنني أريد خليفة متكاثراً ليعمر هذه الأرض الواسعة ، فإذا رأيتَ مكاناً قد ضاق بأهله فاعلم أن هناك مكاناً آخر خالياً ، فالمسألة سوء توزيع لخَلْق الله على أرض الله . لذلك يقولون : إن سبب الأزمات أن يوجد رجال بلا أرض ، وأرض بلا رجال ، وضربنا مثلاً لذلك بأرض السودان الخصبة التي لا تجد مَنْ يزرعها ، ولو زُرِعَتْ لكفَت العالم العربي كله ، في حين نعيش نحن في الوادي والدلتا حتى ضاقتْ بنا ، فإنْ فكرت في الهجرة إلى هذه الأماكن الخالية واجهتْك مشاكل الحدود التي قيدوا الناس بها ، وما أنزل الله بها من سلطان . لذلك لما أُتيح لنا الحديث في الأمم المتحدة قلت لهم : آية واحدة في كتاب الله لو عملتم بها لَحَلَّتْ لكم المشاكل الاقتصادية في العالم كله ، يقول تعالى : { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [ الرحمن : 10 ] فالأرض كل الأرض للأنام ، كل الأنام على الإطلاق . واقرأ قوله تعالى في هذه المسألة : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا … } [ النساء : 97 ] إذن : لا تعارض منهج الله وقدره في أحكامه ، ثم تشكو الفساد والضيق والأزمات ، إنك لو استقرأتَ ظواهر الكون لما وجدتَ فساداً أبداً إلا فيما تتناوله يد الإنسان على غير القانون والمنهج الذي وضعه خالق هذا الكون سبحانه ، أما ما لا تتناوله يد الإنسان فتراه منضبطاً لا يختل ولا يتخلف . إذن : المشاكل والأزمات إنما تنشأ حينما نسير في كون الله على غير هدى الله وبغير منهجه لذلك تسمع مَنْ يقول : العيشة ضَنْك ، فلا يقفز إلى ذهنك عند سماع هذه الكلمة إلا مشكلة الفقر ، لكن الضنك أوسع من ذلك بكثير ، فقد يوجد الغِنَى والترف ورَغَد العيش ، وترى الناس مع ذلك في ضنك شديد . فانظر مثلاً إلى السويد ، وهي من أغنى دول العالم ، ومع ذلك يكثر بها الجنون والشذوذ والعقد النفسية ، ويكثر بها الانتحار نتيجة الضيق الذي يعانونه ، مع أنهم أغنى وأعلى في مستوى دخل الفرد . فالمسألة - إذن - ليست حالة اقتصادية ، إنما مسألة منهج لله تعالى غير مُطبَّق وغير معمول به ، وصدق الله : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } [ طه : 124 ] . لذلك لو عِشْنا بمنهج الله لوجدنا لذة العيش ولو مع الفقر . وقوله تعالى : { لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا … } [ الروم : 21 ] هذه هي العلة الأصيلة في الزواج ، أي : يسكن الزوجان أحدهما للآخر ، والسكن لا يكون إلا عن حركة ، كذلك فالرجل طوال يومه في حركة العمل والسعي على المعاش يكدح ويتعب ، فيريد آخر النهار أن يسكن إلى مَنْ يريحه ويواسيه ، فلا يجد غير زوجته عندها السَّكَن والحنان والعطف والرقة ، وفي هذا السكَن يرتاح ويستعيد نشاطه للعمل في غد . لكن تصور إنْ عاد الرجل مُتْعباً فلم يجد هذا السكن ، بل وجد زوجته ومحلّ سكنه وراحته تزيده تعباً ، وتكدِّر عليه صَفْوه . إذن : ينبغي للمرأة أنْ تعلم معنى السَّكَن هنا ، وأن تؤدي مهمتها لتستقيم أمور الحياة . ثم إن الأمر لا يقتصر على السَّكَن إنما { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً … } [ الروم : 21 ] المودة هي الحب المتبادل في مشوار الحياة وشراكتها ، فهو يكدح ويُوفر لوازم العيش ، وهي تكدح لتدبر أمور البيت وتربية الأولاد لأن الله يقول { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 4 ] هذا في إطار من الحب والحنان المتبادل . أما الرحمة فتأتي في مؤخرة هذه الصفات : سكن ومودة ورحمة ، ذلك لأن البشر عامة أبناء أغيار ، وكثيراً ما تتغير أحوالهم ، فالقوي قد يصير إلى الضعف ، والغني قد يصير إلى فقر ، والمرأة الجميلة تُغيِّرها الأيام أو يهدّها المرض … إلخ . لذلك يلفت القرآن أنظارنا إلى أن هذه المرحلة التي ربما فقدتم فيها السكن ، وفقدتُم المودة ، فإن الرحمة تسعكما ، فليرحم الزوج زوجته إنْ قَصُرت إمكاناتها للقيام بواجبها ، ولترحم الزوجة زوجها إنْ أقعده المرض أو أصابه الفقر … الخ . وكثير من كبار السن من الذين يتقون الله ويراعون هذه التعاليم يعيشون حياتهم الزوجية على هذا المبدأ مبدأ الرحمة ، لذلك حينما يُلمِّحون للمرأة التي أقعد المرض زوجها تقول : أنا آكله لحم وأرميه عظم ؟ هذه هي المرأة ذات الدين التي تعيدنا إلى حديث رسول الله في اختيار الزوجة : " تُنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها - وهذه كلها أغيار - ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك " فأنت وهي أبناء أغيار ، لا يثبت أحد منكما على حاله ، فيجب أنْ تردا إلى شيء ثابت ومنهج محايد لا هوى له ، يميل به إلى أحدكما ، منهج أنتما فيه سواء ، ولن تجدوا ذلك إلا في دين الله . لذلك يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا جاءكم مَنْ ترضون دينه وخُلقه فزوِّجوه ، إلا تفعلوا تكُنْ فتنة في الأرض وفساد كبير " . وإياك حين تكبر زوجتك أن تقول إنها لم تعد تملأ نظري ، أو كذا وكذا ، لأن الزوجة ما جعلها الله إلا سكناً لك وأنثى ووعاءً ، فإذا هاجتْ غرائزك بطبيعتها تجد مصرفاً ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته - أي : تعجبه وتحرّك في نفسه نوازع - فليأْتِ أهله ، فإنْ البُضْع واحد " . وكلما طبَّق الزوجان المقاييس الدينية ، وتحلَّيا بآداب الدين وجد كل منهما في الآخر ما يعجبه ، فإنْ ذهب الجمال الظاهري مع الزمن فسيبقى جمال الروح ووقارها ، سيبقى في المرأة جمال الطبع والسلوك ، وكلما تذكرتَ إخلاصها لك وتفانيها في خدمتك وحِرْصها على معاشك ورعايتها لحرمة بيتك كلّما تمسكْت بها ، وازددتَ حباً لها . وكذلك الحال بالنسبة للزوجة ، فلكل مرحلة من العمر جاذبيتها وجمالها الذي يُعوِّضنا ما فات . ولما كان من طبيعة المرأة أنْ يظهر عليها علامات الكِبَر أكثر من الرجل لذلك كان على الرجل أنْ يراعي هذه المسألة ، فلما سأل أحدهم الحسن : لقد تقدم رجل يخطب ابنتي وصِفَته كيت وكيت ، قال : لا تنكِحها إلا رجلاً مؤمناً ، إنْ أحبها أكرمها ، وإنْ كرهها لم يظلمها . ثم يقول سبحانه : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الروم : 21 ] يتفكرون في هذه المسائل وفي هذه المراحل التي تمرُّ بالحياة الزوجية ، وكيف أن الله تعالى جعل لنا الأزواج من أنفسنا ، وليستْ من جنس آخر ، وكيف بنى هذه العلاقة على السَّكَن والحب والمودة ، ثم في مرحلة الكِبَر على الرحمة التي يجب أنْ يتعايش بها الزوجان طيلة حياتهما معاً . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ … } .