Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 3-3)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { أَدْنَى … } [ الروم : 3 ] يعني : أقرب لأرض العرب ، كما في { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ … } [ الأنفال : 42 ] فالعُدْوة الدنيا أي : القريبة من المدينة ، والقُصْوى البعيدة عنها . فالمعنى { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ … } [ الروم : 3 ] أقرب أرض للجزيرة العربية . وفي قوله سبحانه : { وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } [ الروم : 3 ] بشرى للمسلمين ، فالفرس قوم كانوا يعبدون النار ، أما الروم فأهل كتاب ، إذن : فالخلاف بيننا وبين الفرس في القمة الإلهية ، أمَّا الخلاف بيننا وبين الروم ففي القمة الرسالية ، فَهُم أقرب إلينا لأنهم يؤمنون بإلهنا ، وإنْ كانوا لا يؤمنون برسولنا . وهذا من عظمة الإسلام ، فالذي يؤمن بالإله أقرب إلى نفوسنا من الذي لا يؤمن بالإله لأنه على الأقل موصول بالسماء لذلك لما غُلِبت الروم فرح كفار قريش وحزن المؤمنون ، وفرح كفار قريش لأن في هزيمة الروم دليلاً على أن محمداً وأصحابه سينهزمون كأصحابهم . وكلمة { غَلَبِهِمْ … } [ الروم : 3 ] مصدر يُضاف للفاعل مرة ، ويُضاف للمفعول مرة أخرى ، تقول أعجبني ضَرْبُ الأمير مذنباً ، فأضفت المصدر للفاعل . وتقول : أعجبني ضَرْب المذنب فأضفتَ المصدر للمفعول ، وكذلك هنا { غَلَبِهِمْ … } [ الروم : 3 ] مصدر أضيف إلى المفعول . لكن لماذا قال سبحانه : { سَيَغْلِبُونَ } [ الروم : 3 ] وجاء بالسين الدالة على الاستقبال ، ثم قال بعدها { فِي بِضْعِ سِنِينَ } [ الروم : 4 ] وهي أيضاً دالة على الاستقبال ؟ قالوا : لأن الغلبة لا تأتي فجأة ، إنما لا بُدَّ لها من إعداد طويل وأَخْذ بأسباب النصر ، وتجهيز القوة اللازمة له ، فكأنهم في مدة البضع سنين يُعدون للنصر ، فكلما أعدوا عُدَّة أخذوا جزءاًَ من النصر ، فالنصر إذن لا يأتي في بضع سنين ، إنما من عمل دائم على مدى بضع سنين . فهتلر مثلاً لما انهزم في الحرب العالمية ، وتألَّبتْ عليه كل الدول ، جاء في عام 1939 وهدد العالم كله بالحرب ، فهل سقطت عليه القوة التي يهدد بها فجأة ؟ لا ، بل ظل عدة سنوات يُعد العدة ويُجهِّز الجيش والأسلحة والطرق إلى أنْ توفرتْ له القوة التي يهدد بها .