Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 43-43)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينَ ٱلْقِيِّمِ … } [ الروم : 43 ] يعني اطمئن يا محمد ، وتفرغ لعبادة الله لأنني وعدتُك بالنصر ، وأجبتُك حين قُلْت : " اللهم اشْدُدْ وطأتك على مُضَر ، واجعلها عليهم سنين كسنيِّ يوسف " . { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] يعني : مَنْ لم تَنَلْهُ عقوبة الدنيا نالته عقوبة الآخرة . وقال : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ … } [ الروم : 43 ] لأن الوجه محلُّ التكريم ، وسيد الكائن الإنساني ، وموضع العزة فيه ، بدليل أن السجود والضراعة لله تعالى تكون بوضع هذا الوجه على الأرض لذلك حين ترسل شخصاً برسالة أو تُكلِّفه أمراً يقضيه برِجْله ، أو بيده ، أو بلسانه ، أو بأيِّ جارحة من جوارحه تقول له : أرجو أنْ تُبيِّض وجهي لأن الوجه هو السيد . ومن ذلك قوله تعالى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ … } [ القصص : 88 ] لأنك لا تعرف سمة الناس إلا بوجوههم ، ومَنْ أراد أنْ يتنكر أو يُخفي شخصيته يستر مجرد عينيه ، فما بالك إنْ ستر كل وجهه ، وأنت لا تعرف الشخص من قفاه ، ولا من كتفه ، ولا من رجله ، إنما تعرفه بوجهه ، ويقولون : فلان وجيه القوم ، أو له وجاهته في القوم ، كلها من ناحية الوجه . وما دام قد خصَّ الوجه ، وهو أشرف شيء فيك ، فكُلُّ الجوارح مقصودة من باب أَوْلَى فهي تابعة للوجه ، فالمعنى : أقِم يدك فيما أمرك الله أن تفعل ورجلك فيما أمرك الله أنْ تسعى ، وقلبك فيما أمرك الله أن تشغل به ، وعينك فيما أمرك الله أن تنظر فيه … الخ . يعني : انتهز فرصة حياتك { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ … } [ الروم : 43 ] هو يوم القيامة { لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ … } [ الروم : 43 ] المعنى : أن الله حين يأتي به لا يستطيع أحد أنْ يسترده من الله ، أو يأخذه من يده ، أو يمنعه أنْ يأتي به ، أو أنه سبحانه إذا قضي الأمر لا يعود ولا يرجع فيه . فكلمة { مِنَ ٱللَّهِ … } [ الروم : 43 ] تعطينا المعنيين ، كما في قوله تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ … } [ الرعد : 11 ] فكيف تحفظه المعقِّبات من أمر الله ؟ قالوا : كونهم مُعقِّبات للحفظ أمر صادر من الله أصلاً ، وبناءً على أمره تعالى بالحفظ . وقوله : { يَوْمَئِذٍ … } [ الروم : 43 ] يعني : في اليوم الذي لا مردَّ له من الله { يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] أي : هؤلاء الذين تكاتفوا على حربك وعلى عداوتك وإيذائك ، وتعصَّبوا ضدك { يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] أي : ينشقُّون بعضهم على بعض ، ويتفرقون ، وقد وردت هذه المسألة في آيات كثيرة . والتفريق إما إيمان وكفر أي : أشقياء وسعداء ، وإما أن يكون التفريق في القوم الذين عاندوا واتبعوا أتباعهم على الشرك ، فيتبرأ كل منهم من الآخر ، كما قال سبحانه : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ … } [ البقرة : 166 ] . ثم قال الحق ليبين لنا ذلك التفريق في الآخرة بعلّته ، وعِلَّته ما حدث في الدنيا ، فالله تعالى لا يظلم أحداً ، فقال بعد ذلك : { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ … } .