Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 51-51)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لك أن تلحظ الفرق بين أسلوب هذه الآية { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً … } [ الروم : 51 ] والآية السابقة { ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ … } [ الروم : 48 ] فيرسل : مضارع دالٌّ على الاستمرار ، والرياح كما قلنا لا تُستعمل إلا في الخير ، فكأن إرسال الرياح أمر متوافر ، وكثيراً ما يحدث فضلاً من الله وتكرُّماً . أما هنا ، وفي الحديث عن الريح ، وسبق أن قُلْنا : إنها لا تستعمل إلا في الشر ، فلم يقُلْ يرسل ، بل اختار إن الدالة على الشك ، والفعل الماضي الدال على الانتهاء لماذا ؟ لأن ريح الشر نادراً ما تحدث ، ونادراً ما يُسلِّطها الله على عباده ، فمثلاً ريح السَّمُوم تأتي مرة في السنة ، كذلك الريح العقيم جاءتْ في الماضي مرة واحدة ، كذلك الريح الصرصر العاتية . إذن : فهي قليلة نادرة ، ومع ذلك إنْ أصابتهم يجزعون وييأسون ، وهذا لا ينبغي منهم ، أليست لهم سابقة في عدم اليأس حين يئسوا من إرسال الرياح ، فأرسلها الله عليهم ومن إنزال المطر فأنزله الله لهم ، فلماذا القنوط والرب موجود ؟ ومعنى { فَرَأَوْهُ … } [ الروم : 51 ] أي : رأوا الزرع الذي كان أخضر نضراً { مُصْفَرّاً … } [ الروم : 51 ] أي : متغيراً ذابلاً { لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } [ الروم : 51 ] يكفرون باليأس الذي يعزل الحق سبحانه عن الأحداث ، مع أن لهم سابقة ، وقد يئسوا وفرَّج الله عليهم . ذلك لأن الإنسان لا صبرَ له على البلاء ، فإنْ أصابه سرعان ما يجزع ، ولو قال أنا لي رب أفزع إليه فيرفع عني البلاء ، وأن له حكمة سأعرفها لاستراحَ ولهانَ عليه الأمر . ولك أنْ تسأل : لماذا قال القرآن { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا … } [ الروم : 51 ] ولم يقُلْ وإن ؟ قالوا : هذه اللام الزائدة يُسمُّونها اللام الموطئة للقسم ، فتقدير الكلام : والله لئن أرسلنا ، فالواو هنا واو القسم واللام مُوطِّئة له ، وللحق سبحانه أن يقسم بما يشاء على ما يشاء ، وكل قسم يحتاج إلى جواب ، تقول : والله لأضربنَّك . كذلك الشرط في إن يحتاج إلى جواب للشرط ، والحق سبحانه هنا مزج بين القسَم والشرط في جملة واحدة ، فإنْ قلت فالجواب هنا للقسَم أم للشرط ؟ قالوا : فطنة العرب تأبى أنْ يوجد جوابان في جملة واحدة ، فيأتي السياق بجواب واحد نستغني به عن الجواب الآخر ، والجواب يكون لما تقدَّم ، فإنْ تقدم القسَم فالجواب للقسم ، وإنْ تقدَّم الشرط فالجواب للشرط . وهنا { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً … } [ الروم : 51 ] قدم القسم لأن التقدير : والله لئن أرسلنا ريحاً … وكلمة { لَّظَلُّواْ … } [ الروم : 51 ] مأخوذة من الظل وظلَّ فعل مَاضٍ ناقص مثل بات يعني في البيتوتة ، وأضحى يعني : استمر في وقت الضحى ، وأمسى في وقت المساء ، كذلك ظلَّ أي : استمر في الوقت الذي فيه ظِلٌّ يعني : طوال النهار ، إذن : نأخذ الزمن من المشتق منه . ثم يقول الحق سبحانه : { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ … } .