Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 57-57)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { فَيَوْمَئِذٍ … } [ الروم : 57 ] أي : يوم قيام الساعة { لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ الروم : 57 ] أي : لا يُقبَل منهم عذر ، ومعنى { ظَلَمُواْ … } [ الروم : 57 ] أي : ظلموا أنفسهم ، والظالم يلجأ إلى الظلم لأنه يريد أن يأخذ من الغير ما عجزتْ حركته هو عن إدراكه . فالظلم أنْ تأخذ نتيجة عرق غيرك لتحوله إلى دم فيك ، لكن دمك إنْ لم يكُنْ من عَرَقك فهو دم فاسد عليك ، ولا تأتي منه أبداً حركة إجابة في الوجود لا بُدَّ أن تكون نتيجته حركات شر لأنه دم حرام ، فكيف يتحرك في سبيل الحلال ؟ لذلك ورد في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلى طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين " ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ المؤمنون : 51 ] وقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ البقرة : 172 ] ثم ذكر " الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ثم يمد يديه إلى السماء : يا رب يا رب ، ومطعمه من حرام ، ومشربه من حرام ، فأنَّى يُستجاب له " . إذن : كيف يُستجاب لنا وأبعاضنا كلها غير أهْلٍ لمناجاة الله بالدعاء ؟ ولا يقف الأمر عند عدم قبول العذر ، إنما { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ الروم : 57 ] العتاب : حوار بلُطْف ودلال بين اثنين في أمر أغضب أحدهما ، وكان من المظنون ألاَّ يكون ، ويجب أن يعرض عليه ليصفي نفسه منه ، كأن يمر عليك صديق فلا يسلم عليك فتغضب منه ، فإنْ كنتَ حريصاً على مودته تقابله وتقول : والله أنا في نفسي شيء منك ، لأنك مررتَ فلم تسلم عليَّ يوم كذا ، فيقول لك : والله كنتُ مشغولاً بكذا وكذا ولم أَرَك ، فيزيل هذا العذر ما في نفسك من صاحبك . ونقول : عتب فلان على فلان فأعتبه أي : أزال عتابه لذلك يقولون : ويبقى الود ما بقي العتاب ، ويقول الشاعر : @ أَمَّا العِتَابُ فبالأحِبّة أَخْلَق والحُبُّ يَصْلُح بالعِتَاب ويصْدُقُ @@ والهمزة في أعتب تسمى همزة الإزالة ، ومنها قول الشاعر : @ أُرِيدُ سُلوَّكم - أي بعقلي - والقَلْبُ يأْبَى وأعْتِبكُم ومِلءُ النَفْسِ عَتْبى @@ ومنه ما جاء في مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لربه يوم الطائف بعد أن لَقي منهم ما لَقِي ، حتى لجأ إلى حائط ، وأخذ يناجي ربه : " ربِّ إلى مَنْ تَكِلني ، إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملّكته أمري ؟ إنْ لم يكُنْ بك عليَّ غضب فلا أُبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي … إلى أنْ يقول : لك العُتْبى حتى ترضى " . يعني : يا رب إنْ كنتَ غضبتَ لشيء بدر مني ، فأنا أريد أن أزيل عتابك عليَّ . ومن همزة الإزالة قولنا : أعجمت الكلمة أي : أزلْتُ عُجْمتها وخفاءها ، وأوضحت معناها ، ومن ذلك نُسمِّي المعجم لأنه يزيل خفاء الكلمات ويُبيِّنها . وتقرأ في ذلك قوله تعالى : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا … } [ طه : 15 ] أي : أقرب أنْ أزيل خفاءها بالآيات والعلامات . وهذه الكلمة { يُسْتَعْتَبُونَ } [ الروم : 57 ] وردتْ في القرآن ثلاث مرات ، ووردت مرة واحدة مبنية للفاعل يَسْتعتبون ، لأنهم طلبوا إزالة عتابهم ، فلم يُزِلْه الله ولم يسمح لهم في إزالته ، أما يُستعتبون فلأنهم لم يطلبوا العتب بأنفسهم ، إنما جعلوا لهم شفعاء يطلبون لهم ، لكن خَاب ظنهم في هذه وفي هذه . فالمعنى { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ الروم : 57 ] لا يجرؤ شفيع أنْ يقول لهم : استعتبوا ربكم ، واسألوه أنْ يعتبكم أي : يزيل العتاب عنكم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا … } .