Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 30, Ayat: 56-56)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال هنا { ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ … } [ الروم : 56 ] فهل العِلم ينافي الإيمان ؟ لا ، لكن هناك فَرْق بينهما ، فالعلم كسب ، والإيمان أنت تؤمن بالله وإنْ لم تَرَه . إذن : شيء أنت تراه وتعلمه ، وشيء يخبرك به غيرك بأنه رآه ، فآمنتَ بصدقه فصدَّقْتَه ، فهناك تصديق للعلم وتصديق للإيمان لذلك دائما يُقَال : الإيمان للغيبية عنك ، أما حين يَقْوى إيمانك ، ويَقْوى يقينك يصير الغيب كالمشاهَد بالنسبة لك . وقد أوضحنا هذه المسألة في الكلام عن قوله تعالى في خطابه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] . فقال : ألم تَرَ مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلِد عام الفيل ، ولم يتسَنّ له رؤية هذه الحادثة ، قالوا : لأن إخبار الله له أصدق من رؤيته بعينه . فقوله : { أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ … } [ الروم : 56 ] لأن العلم تأخذه أنت بالاستنباط والأدلة … الخ ، أو تأخذه ممن يخبرك وتُصدِّقه فيما أخبر ، " لذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل الصحابي : " كيف أصبحتَ " ؟ قال : أصبحتُ مؤمناً حقاً ، قال : " لكلِّ حقٍّ حقيقة ، فما حقيقة إيمانك " ؟ يعني : ما مدلول هذه الكلمة التي قلتها ؟ فقال الصحابي : عزفتْ نفسي عن الدنيا ، فاستوى عندي ذهبها ، ومدرها ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون ، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون - يريد أن يقول لرسول الله : لقد أصبحتُ وكأني أرى ما أخبرتنا به - فقال له رسول الله : " عرفتَ فالزم " . لكن ، مَن هم الذين أوتوا العلم ؟ هم الملائكة الذين عاصروا كل شيء ، لأنهم لا يموتون ، أو الأنبياء لأن الذي أرسلهم أخبره ، أو المؤمنون لأنهم صدَّقوا الرسول فيما أخبر به . وقال { أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ … } [ الروم : 56 ] ولم يقل : علموا ، كأن العلم ليس كَسْباً ، إنما إيتاء من عَالِم أعلم منك يعطيك . فإنْ قُلتَ : أليس للعلماء دور في الاستدلال والنَظر في الأدلة ؟ نقول : نعم ، لكن مَنْ نصب لهم هذه الأدلة ؟ إذن : فالعلم عطاء من الله . ثم يقول سبحانه : { لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ … } [ الروم : 56 ] يعني : مسألة مرسومة ومنضبطة في اللوح المحفوظ إلى يوم البعث { فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ … } [ الروم : 56 ] الذي كنتم تكذبون به ، أما الآن فلا بُدَّ أنْ تُصدِّقوا فقد جاءكم شيء لا تقدرون على تكذيبه لأنه أصبح واقعاً ومن مصلحتكم أنْ يقبل عذركم ، لكن لن يقبل منكم ، ولن نسمع لكم كلاماً لأننا قدمنا الإعذار سابقاً . وقوله تعالى : { وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ الروم : 56 ] في أول الآية قال : { أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ … } [ الروم : 56 ] فنسب العلم إلى الله ، أما هنا فنسبه إليهم لأن الله تعالى نصب لهم الأدلة فلم يأخذوا منها شيئاً ، ونصب لهم الحجج والبراهين والآيات فغفلوا عنها ، إذن : لم يأخذوا من الدلائل والحجج ما يُوصِّلهم إلى العلم . ثم يقول الحق سبحانه : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ … } .