Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 13-13)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعطينا الحق سبحانه طرفاً من حِكَم لقمان التي رواها القرآن الكريم : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ … } [ لقمان : 13 ] قوله : { وَإِذْ … } [ لقمان : 13 ] أي : اذكر يا محمد حين قال لقمان لابنه ، وتوجيه حكمة لقمان ونصيحته لابنه يدلُّنا على صدق ما رُويَ عنه أنه كان يفتي الناس ويعظهم قبل سيدنا داود عليه السلام ، فلما جاء داود أمسك لقمان وقال : ألا أكتفي وقد كُفِيت ، ثم وجه نصائحه لمن يحب وهو ولده . ولذلك ، فالإمام أبو حنيفة - رضوان الله عليه - عندما شكاه القاضي ابن أبي ليلى إلى الخليفة أنه يفند شكاواه وأحكامه ، فأرسل إليه الخليفة بأنْ يترك الفتوى ، وبينما هو في بيته إذ جاءته ابنته وقالت له : يا أبي حدث لي كذا وكذا - تريد أن تستفتيه - فماذا قال لها وهي ابنته ؟ قال : سَلِي أخاك حماداً ، فإن أمير المؤمنين نهاني عن الفُتْيا . وفَرْق بين أنْ يتكلم الإنسان مع عامة الخَلْق ، وبين أنْ يتكلم مع ولده ، فالابن هو الإنسان الوحيد في الوجود الذي يودُّ أبوه أن يكون الابن أفضلَ وأحسن حالاً منه ، ويتمنى أن يُعوِّض ما فاته في نفسه في ولده ويتدارك فيه ما فاته من خير . ومعنى { وَهُوَ يَعِظُهُ … } [ لقمان : 13 ] الوعظ : هو التذكير بمعلومة عُلِمت من قبل مخافة أنْ تُنْسى ، فالوعظ لا يكون بمعلومة جديدة ، إنما يُنبه غفلتك إلى شيء موجود عندك ، لكن غفلت عنه ، فهناك فَرْق بين عالم يُعلم ، وواعظ يعظ ، والوعظ للابن يعني أنه كان على علم أيضاً بالمسائل ، وكان دور الوالد أنْ يعظه ويُذكِّره . ونلحظ في أسلوب الآية أن الله تعالى لما أخبر عنه قال { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ … } [ لقمان : 13 ] ولما تكلم لقمان عن ابنه قال { يٰبُنَيَّ … } [ لقمان : 13 ] ولم يقل يا ابني ، فصغّره تصغير التلطف والترقيق ، وليوحي له : إنك لا تزال في حاجة إلى نصائحي ، وإياك أنْ تظن أنك كَبِرت وتزوجت فاستغنيتَ عني . وأول عِظَة من الوالد للولد { لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ … } [ لقمان : 13 ] وهذه قمة العقائد لذلك بدأ بها لأنه يريد أنْ يُصحِّح له مفهومه في الوجود ، ويلفت نظره إلى أن الأشياء التي نعم بها آباؤك وأجدادك لا تزال تعطي في الكون ، ومن العجيب أنها باقية ، وهي تعطِي في حين يموت المعطَى المستفيد بها . وتأمل منذ خلق الله الكون كم جيل من البشر انتفع بالشمس ؟ ومع ذلك اندثروا جميعاً ، وما زالت الشمس باقية ، كذلك القمر والهواء والجبال … الخ . فكيف وأنت سيد هذا الكون يكون خادمك أطول عمراً منك ؟ إذن : على العاقل أن يتأمل ، وعلى الإنسان الذي كرَّمه الله على سائر المخلوقات أن يقول : لا بُدَّ أن لي عمراً أطول من عمر هذه المخلوقات التي تخدمني ، وهذا لا يتأتى إلا حين تصل عمرك في الدنيا بعمرك في الآخرة ، وهذا يستدعي أن تؤمن بالله وألاّ تشرك به شيئاً ، فهو وحده سبحانه الذي خلق لك هذا كله ، وأعدّه لخدمتك قبل أن توجد : واقرأ : { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ … } [ لقمان : 11 ] . فكيف تدعي أن لله شركاء في الخَلْق ، وهم أنفسهم لم يدَّعوا أنهم آلهة ، أو أنهم خلقوا شيئاً في كون الله ؟ كيف وأنت تسير في الصحراء ، فترى الحجر يعجبك فتأخذه وتُسوِّيه وتجعله إلهاً ولو هبَّتْ الريح لأطاحتْ به ؟ ثم ما المنهج الذي جاءتكم به هذه الآلهة بِمَ أمرتكم وعَمَّ نهتكم ؟ ماذا أعدت من نعيم لمن عبدها ، وماذا أعدَّت من عذاب لمن كفر بها ؟ إذن : فهذه آلهة بلا تكليف ، والعبادة في حقيقتها أنْ يطيع العابد أمر معبوده ، إذن : هي آلهة باطلة لا يخفى بطلانها على العاقل . لذلك يقول لقمان : { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] نعم الشرك ظلم لأن الظلم يعني : نَقْل حق الغير إلى الغير ، وقمة الظلم ومنتهاه أن تأخذ حق الله ، وتعطيه لغير الله ، ألا ترى أن الصحابة ضجُّوا لما نزل قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } [ الأنعام : 82 ] . وقالوا : يا رسول الله ، ومَنْ منا لم يخالط إيمانه ظلم ؟ فهدَّأ رسول الله من رَوْعهم وطمأنهم أن المراد بالظلم هنا ظلم القمة أي : الشرك بالله { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ … } .