Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 26-26)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أن سجَّل الله تعالى عليهم اعترافهم وشهادتهم بأنه سبحانه خالق السماوات والأرض ، أراد سبحانه أنْ يُبيِّن لنا أن السماوات والأرض ظرف لما فيهما ، وفيهما أشياء كثيرة ، منها ما نعرفه ، ومنها ما لا نعرفه ، والمظروف دائماً أغلى من المظروف فيه ، فما في المحفظة من نقود عادة أغلى من المحفظة ذاتها ، وما في الخزانة من جواهر وأموال أو أوراق هامة أنفَسُ من الخزانة وأهمّ . لذلك قلنا : إياك أنْ تجعل كتاب الله حافظة لشيء هام عندك لأنه أغلى من أيِّ شيء فينبغي أنْ نحفظه ، لا أنْ نحفظ فيه . وكأن في الآية إشارة إلى أنهم كما أقرُّوا لله تعالى بخَلْق السماوات والأرض ينبغي أنْ يُقروا كذلك بأن له سبحانه ما فيهما ، وهذه مسألة عقلية يهتدي إليها كل ذي فكر سليم ، فما دامت السماوات والأرض لله ، فله ما فيهما ، وهَبْ أن لك قطعة أرض تمتلكها ، ثم عثرتَ فيها على شيء ثمين ، إنه في هذه الحالة يكون مِلكك شرعاً وعقلاً . وينبغي للعاقل أنْ يتأمل هذه المسألة : لله تعالى ما في السماوات وما في الأرض ، ومن هذه الأشياء الإنسان الذي كرَّمه الله ، وجعله سيداً لجميع المخلوقات وأعلى منها ، بدليل أنها مُسخَّرة لخدمته : الحيوان والنبات والجماد ، فهل يصح أن يكون الخادم أعظم من سيده أو أطول عمراً منه ؟ فعلى العاقل أن يتأمل هذه المسألة ، وأن يستعرض أجناس الكون ويتساءل : أيكون الجماد الذي يخدمني أطول عمراً مني ؟ إذن : لا بد أن لي حياة أخرى تكون أطول من حياة الشمس والقمر وسائر الجمادات التي تخدمني ، وهذا لا يكون إلا في الآخرة حيث تنكدر الشمس ، وتتلاشى كل هذه المخلوقات ويبقى الإنسان . إذن : أنت محتاج لما في الأرض ولما في السماء من مخلوقات الله ، وبه وحده سبحانه قوامها مع أنه سبحانه غنيٌّ عنها لا يستفيد منها بشيء ، فالله سبحانه خلق ما هو غنيٌّ عنه لذلك يقول : { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [ لقمان : 26 ] لأنه سبحانه بصفات الكمال خلق ، فلم يزِدْه الخلق صفة كمال لم تكُنْ له ، فهو مُحْيٍ قبل أنْ يوجد مَنْ يُحييه ، مُعِزٌّ قبل أنْ يوجد من يعزه . وقلنا : إنك لا تقول فلان شاعر لأنك رأيته يقول قصيده بل لأنه شاعر قبل أن يقولها ، ولولا أنه شاعر ما قال . فمعنى { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ … } [ لقمان : 26 ] أي : الغني المطلق لأن له سبحانه كل هذه الملْك في السماوات والأرض ، بل جاء في الحديث القدسي أن السماء والأرض بالنسبة لملْك الله تعالى كحلقة ألقاها مُلْقٍ في فلاة ، فلا تظن أن مُلْك الله هو مجرد هذه المخلوقات التي نعلمها ، رغم ما توصَّل إليه العلم من الهندسة وحساب المسافات الضوئية . فالله سبحانه هو الغنيُّ الغِنَى المطلق لأنه خلق هذا الخَلْق وهو غني عنه ، ثم أعطاه لعبيده وجعله في خدمتهم ، فكان من الواجب لهذا الخالق أن يكون محموداً { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [ لقمان : 26 ] وحميد فعيل بمعنى محمود ، وهو أيضاً حامد كما جاء في قوله تعالى : { فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } [ البقرة : 158 ] لكن ، شاكر لمن ؟ قالوا : إذا كان العبد يشكر ربه ، وقد علَّمه الله : أن الذي يحيِّيك بتحية ينبغي عليك أنْ تُحيِّيَه بأحسن منها ، فربُّك يعاملك هذه المعاملة ، فإنْ شكرْتَهُ يزدك ، فهذه الزيادة شُكْر لك على شُكْرك لربك . أي : مكافأة لك . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ … } .