Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 25-25)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا إفحام لهم ، حيث شهدوا بأنفسهم أن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض ، وتعجب بعد ذلك لأنهم ينصرفون عن عبادة الخالق سبحانه إلى عبادة مَنْ لا يخلق ولا يرى ولا يسمع . لذلك بعد هذه الشهادة منهم ، وبعد أنْ قالوا الله يُتبعها الحق سبحانه بقول { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ … } [ لقمان : 25 ] أي : الحمد لله لأنهم أقروا على أنفسهم ، ونحن في معاملاتنا نفعل مثل هذا ، فحين يعترف لك خَصمْك تقول : الحمد لله . وهذه الكلمة تُقال تعليقاً على أشياء كثيرة ، فحين يعترف لك الخَصْم بما تريد تقول : الحمد لله ، وحين يُخلِّصك الله من أذى أحد الأشرار تقول : الحمد لله أي : الذي نجانا من فساد هذا المفسد . فلو بلغنا خبر موت أحد الأشقياء أو قُطّاع الطرق نقول : الحمد لله أي : الذي خلصنا من شرِّه ، وأراح منه البلاد والعباد ، ومن ذلك قول الله تعالى : { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَْ } [ الأنعام : 45 ] . كذلك تقال حينما يُنصَف المظلوم ، وتُردُّ إليه مظلمته ، أو تظهر براءته ، كما سنقول - إنْ شاء الله - في الآخرة : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } [ فاطر : 34 ] . { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ فَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } [ الزمر : 73 - 74 ] . فالحمد لله تُقال أيضاً عند خلوصك إلى غاية تُخرِجك مما كنتَ فيه من الضيق ، ومن الهَمِّ ، ومن الحزن ، وتقال حين ندخل الجنة ، وننعم بنعيمها ونعلم صِدْق الله تعالى فيما أخبرنا به من نعيمها . هذا كله حَمْد على نِعمه ، وهناك الحمد الأعلى : ألم تقرأ الحديث القدسي : " إن الله يتجلى على خَلْقه المؤمنين في الجنة فيقول : يا عبادي ، ألا أزيدكم ؟ فيقولون : وكيف تزيدنا وقد أعطيْتنا مَا لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ؟ قال : أُحِلُّ عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعدها أبداً " فماذا بعد هذا الرضوان ؟ يقول تعالى : { وَتَرَى ٱلْمَلاَئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الزمر : 75 ] . هذا هو الحمد الأعلى ، فقد كنت في الحمد مع النعمة ، وأنت الآن في الحمد مع المنعم سبحانه . ثم يقول سبحانه : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ لقمان : 25 ] وهم أهل الغفلة عن الله ، أو { لاَ يَعْلَمُونَ } [ لقمان : 25 ] أي : العلم الحقيقي ، النافع ، وإنْ كانوا يعلمون العلم من كتاب غير منير ، أو : يعلمون العلم الذي يُحقِّق لهم شهواتهم . ثم ينتقل السياق إلى آيات كونية فيقول سبحانه : { لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ … } .