Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 32-32)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى { غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ … } [ لقمان : 32 ] يعني : غطاهم واحتواهم لذلك قال : { كَٱلظُّلَلِ … } [ لقمان : 32 ] جمع ظُلَّة ، وهي التي تعلو الإنسان وتظلله ، ولا يكون الموج كذلك إلا إذا علا عن مستوى الإنسان ، وخرج عن رتابة الماء وسجسجته . ومن ذلك قول الله تعالى : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ … } [ الأعراف : 171 ] . وأنت تشاهد هذه المظاهر إذا كنتَ في عرض البحر ، فترى الموجة من بعيد أعلى منك ، وأنها حتماً ستطمسك ، حتى إذا ما وصلتْ إليك شاهدتَ فيها مظهراً من لطف الله بك ، حيث تتلاشى وتمر من تحتك بسلام ، وهذا شيء عجيب ونعمة تستوجب الشكر . فالموج إذن شيء مخيف لذلك لما غشيهم وأيقنوا الهلاك { دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ … } [ لقمان : 32 ] دعوا الله رغم أنهم كافرون به ، لكن المرء في مثل هذه الحال لا يخدع نفسه ولا يكذب عليها ، فالأمر جد ، فلم يدعوا اللات أو العزى ، ولم يقُلْ أحد منهم يا هبل ، إنما دعوا الله بإخلاص لله ، فإنْ كانوا ملتفتين لدين آخر في عبادة الأصنام ، ففي هذا الموقف لا بُدَّ أن يُخلصوا لله لأنهم واثقون أن الأصنام لن تنفعهم ، وأنها لا تملك لهم ضراً ولا نفعاً ، ولن يكون النفع وكشف البلاء إلا من الله الحق . فإنْ قُلْتَ : ما دام الأمر كذلك ، فما الذي صرفهم عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام ؟ قلنا : إن التديُّن طبيعة في النفس البشرية ، وهذه الطبيعة باقية في ذرات كل إنسان منذ خلق الله آدم ، وأخذ من صُلْبه ذريته ، وأشهدهم على أنفسهم { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ … } [ الأعراف : 172 ] فشهدوا . فكل واحد منا فيه ذرة شهدتْ هذا العهد ، وهذه الذرة هي مصدر الإشراقات في نفس المؤمن ، وعليه أنْ يحافظ عليها بأن يأخذ قانون صيانة هذه الذرة ممن خلقها ، لا أنْ يطمس نورها بمخالفة قانون صيانته الذي وضعه له ربه - عز وجل - فيكون كمَنْ قال الله فيه : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } [ طه : 124 ] . النبي صلى الله عليه وسلم يُوضح لنا هذه المسألة بقوله : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يُهوِّدانه ، أو يُنصرِّانه أو ، يُمجِّسانه " . فالنفس الإنسانية بخير ما دام فيها الإشراقيات الإلهية الأولى التي شهدتْ أن الله هو الرب ، لكن إذا تضبَّبت فلا بُدَّ أن تحدث الخيبة ويدخل الفساد . إذن : التديُّن طَبْع في النفس ، لكن التديُّن الحق له مطلوبات ومنهج بافعل كذا ، ولا تفعل كذا ، وهذا يريد أنْ يُرضي نفسه بأن يكون مُتديناً ، لكن يريد أنْ يريح نفسه من مطلوبات هذا التدين ، فماذا يفعل ؟ يلجأ إلى عبادة إله لا مطلوبات له ، وقد توفرت هذه في عبادة الأصنام . لكن نقول لمن عبد الأصنام : لا بُدَّ أنْ يأتي عليك الوقت الذي لا تلتفت فيه إلى الأصنام ، بل إلى الإله الحق الذي هربتْ من مطلوباته وانصرفت عن عبادته ، لا بُدَّ أن تُلجئك الأحداث إلى أنْ تلوذ به لذلك يقولون في المثل اللي متحبش تشوف وجهه ، يُحوجك الزمن لقفاه . فأنتم أعرضتم عن الله وكفرتم به ، فلما نزلت بكم الأحداث وأحاطت بكم الأمواج صِرْتم أرانب ، فلماذا الآن تلجئون إلى الله ؟ لماذا لم تستمروا على عنادكم وتكبُّركم حتى على الله ؟ ثم يقول تعالى : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ … } [ لقمان : 32 ] وكان ينبغي عليهم بعد أنْ اعترفوا أن الله هو الإله الحق الذي يُلْجأ إليه ويُستغاث به ، وبعد أنْ نجاهم وأسعفهم ، كان ينبغي عليهم أن يؤمنوا به ، وأنْ يطيعوه ، وأن تؤثر فيهم هذه الهزة التي زلزلتهم ، إلا أنهم عادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والإعراض عن الله ، وطاوع نفسه وشهوته . هذه هي حال الكافر حينما يتعرض للابتلاء والتمحيص ، فإنه ينتكس ولا يرعوى على خلاف المؤمن ، فإنه إن تعرَّض لمثل هذا الاختبار يزداد إيماناً ويقيناً . والمقتصد هو البين بين ، تأخذه الأحداث والخطوب ، فتردُّه إلى الله حال الكرب والشدة ، لكنه إذا كشف عنه تردد وضعفتْ عنده هذه الروح ، بدليل أن الله تعالى يذكر في مقابل المقتصد نوعاً آخر منهم غير مقتصد { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } [ لقمان : 32 ] . فمنهم من بهت كفره حينما تنبه في الوازع الإيماني ، لكنه لما نجا غرَّته الدنيا من جديد ، ومنهم الجاحد الختَّار أي : الغادر . ولك أنْ تلحظ المقابلة بين صبَّار وختَّار ، وبين شكور وكفور . ثم يخاطب الحق سبحانه الناس ، فيقول : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ … } .