Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 3-3)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هنا يقول سبحانه { هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } [ لقمان : 3 ] أما في صدر سورة البقرة فيقول { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] وفَرْق بين المعنيين ، فالتقوى تقتضي الإيمان ، ومطلوب الإيمان الافتراض يعني : أنْ تؤدي ما فرضه الله عليك . أما مطلوب الإحسان ففوق ذلك ، فالإحسان في الأداء أن تُحسن في كَمِّه ، وأن تحسن في كيفه : تحسن في كيفه بأن تستصحب مع العمل الإخلاصَ للمعمول له ، وهو الحق سبحانه ، وتحسن في كَمِّه بأنْ تعشق التكليف حتى تؤدي فوق ما فُرِض عليك ، فبدل أنْ تصلي ركعتين أن تصلي ثلاثاً أو أربعاً ، هذا إحسان في الكم . والتقوى من عجائب التأويل القرآني كما سبق أنْ قلنا . فالقرآن يقول اتقوا الله ويقول اتقوا النار ، والمعنى عند التحقيق واحد لأن اتق النار يعني : اجعل بينك وبينها وقاية وحاجزاً يمنعك منها ، كذلك اتق الله ، لا أن تجعل بينك وبين ربك حاجزاً لأن المؤمن دائماً يكون في معية الله . إنما اجعل بينك وبين صفات الجلال ومتعلقاتها من الله وقاية ، اتق صفات المنتقم الجبار القهار … الخ لأنك لستَ مطيقاً لهذه الصفات ، ولا شكَّ أن النار جندي من جند الله ، ومتعلق من متعلقات صفات الجلال إذن : فالمعنى واحد . والبعض يأخذون بالظاهر فيقولون : كيف نتقي الله ، والتقوى أن تبعد شيئاً ضاراً عنك ؟ نقول : نعم أنت تبعد عنك الكفر ، وهذا هو عين التقوى ، والمتقون هم الذين يحبون أنْ يتقوا الله بألاَّ يكونوا كافرين به ، وما دام الإنسان اتقى الكفر فهو مُحسِن ومؤمن ، فالقرآن مرة يأتي باللازم ، ومرة بالملزوم ، ليؤدي كل منهما معنى جديداً لذلك لما سُئِل سيدنا رسول الله عن الإحسان - في حديث جبريل - قال : " أنْ تعبد الله كأنك تراه ، فإنْ لم تكُنْ تراه فإنه يراك " . فحين نوازن بين صدر سورة البقرة ، وبين هذه الآية { هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } [ لقمان : 3 ] نرى أن القرآن لا يقوم على التكرار ، إنما هي لقطات إعجازية كل منها يؤدي معنى ، وإنْ ظن البعض في النظرة السطحية أنه تكرار ، لكن هو في حقيقة الأمر عطاء جديد لو تأملته . فهنا وصف الكتاب بأنه حكيم ، وأنه هدى ورحمة : والهدى هو الدلالة على الخير بأقصر طريق ، وقد نزل القرآن لهداية قوم قد ضلوا ، فلما هداهم إلى الصواب وأراهم النور أراد أنْ يحفظ لهم هذه الهداية ، وألاَّ يخرجوا عنها فقال { وَرَحْمَةً } [ لقمان : 3 ] يعني : من رحمة الله بهم ألاَّ يعودوا إلى الضلال مرة أخرى . كما في قوله سبحانه : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [ الإسراء : 82 ] . فالمعنى : شفاء لمن كان مريضاً ، ورحمة بألاَّ يمرض أبداً بعد ذلك . ثم يقول الحق سبحانه : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ … } .