Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 2-2)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تلك : اسم إشارة للمؤنت مثل ذلك للمذكر ، وهي عبارة عن التاء للإشارة ، واللام للبُعْد ، سواء أكان في المكان أو في المكانة والمنزلة ، ثم الكاف للخطاب ، وتأتي بحسب المخاطب مذكراً أو مؤنثاً ، مفرداً أو مثنىً أو جمعاً . فتقول في خطاب المفرد المذكر : تلك . وللمفردة المؤنثة : تلكِ . وللمثنى تلكما … إلخ ، ومن ذلك قول امرأة العزيز في شأن يوسف عليه السلام : { فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ … } [ يوسف : 32 ] فذا اسم إشارة ليوسف ، واللام للبُعْد وكُنَّ ضمير لمخاطبة جمع المؤنث . ويقول تعالى في خطاب موسى : { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ … } [ القصص : 32 ] أي اليد والعصا ، فذانِ اسم إشارة للمثنى ، والكاف للخطاب . والإشارة هنا { تِلْكَ آيَاتُ … } [ لقمان : 2 ] لمؤنث وهي الآيات ، والمخاطب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته تبع له ، والقرآن الكريم مرة يشير إلى الآيات ، ومرة يشير إلى الكتاب نفسه ، فيقول : الكتاب أو الفرقان ، أو القرآن ولكل منها معنى . فالكتاب دلَّ على أنه يُكتب وتحويه السطور ، والقرآن دلَّ على أنه يُقرأ وتحويه الصدور ، أما الفرقان فهذه هي المهمة التي يقوم بها : أنْ يفرق بين الحق والباطل . وهنا قال : { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } [ لقمان : 2 ] فوصفه بالحكمة ، أما في أول البقرة فقال : { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى … } [ البقرة : 2 ] فلم يُوصَف بالحكمة ، إنما نفى عنه أن يكون فيه ريب . أي : شك . وكلمة { لاَ رَيْبَ فِيهِ … } [ البقرة : 2 ] تؤكد لنا صِدْق الرسول في البلاغ عن الله ، وصِدْق الملك الذي حمله من اللوح المحفوظ إلى رسول الله ، وقد مدحه الله بقوله { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [ التكوير : 20 ] . وقال عن سيدنا رسول الله في شأن تبليغ القرآن { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } [ الحاقة : 44 - 46 ] . إذن : فالقرآن كما نزل من عند الله ، لم يُغيَّر فيه حرف واحد ، وسيظل كذلك محفوظاً بحفظ الله له إلى أنْ تقوم الساعة ، وسنظل نقرأ { لاَ رَيْبَ فِيهِ … } [ البقرة : 2 ] . ويقرؤها مَنْ بعدنا إلى قيام الساعة ، فقد حكم الحق سبحانه بأنه لا ريْب في هذا القرآن منذ نزل إلى قيام الساعة ، فإنْ شككونا في شيء من كتاب ربنا فعلينا أن نقرأ : { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] . فهذه قضية حكم الله بها ، وهي ممتدة وباقية ما بقيتْ الدنيا ، كما سبق أنْ قُلْنا ذلك في قوله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ … } [ فصلت : 53 ] . فالآية تستوعب المستقبل كله ، مستقبل مَنْ عاصر نزول القرآن ، ومستقبل مَنْ يأتي بعد إلى قيام الساعة ، بل مستقبل مَنْ تقوم الساعة عليه . فالقرآن لم ينزله الله ليُفرغ كل أسراره وكل معجزاته في قَرْن واحد ، ولا في أمة واحدة ، ثم يستقبل القرون والأمم الأخرى دون عطاء ، الله يريد للقرآن أنْ يظل جديداً تأخذ منه كل الأمم وكل العصور ، وتقف على أسراره ومعجزاته وآياته في الكون . ومعنى { ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } [ لقمان : 2 ] الكتاب لا يُوصَف بالحكمة إنما يُوصَف بالحكمة مَنْ يعلم ، فالمعنى : الكتاب الحكيم أي : الموصوف بالحكمة ، أو الحكيم قائله ، أو الحكيم مُنزِله . ومعنى حكيم : هو الذي يضع الشيء في موضعه ، ولا يضعَ الشيء في موضعه إلا الله لأنه هو الذي يعلم صِدْق الشيء في موضعه . أما نحن فنهتدى إلى موضع الشيء ، ثم يتبين لنا خطؤه في موضعه ، ونضطر إلى تغييره أو تعديله ككثير من المخترعات التي ظننا أنها تخدم البشرية قد رأينا مضارها ، واكتويْنا بنارها فيما بعد . فكل آية ذكرت ناحية من نواحي كمال القرآن وجهة من جهات عظمته ، إذن : فهي لقطات مختلفة لشيء واحد متعدد الملكات في الكمال ، وكذلك تجد تعدد الكمالات في الآية بعدها : { هُدًى وَرَحْمَةً … } .