Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 7-7)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً … } [ لقمان : 7 ] بعد قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ لقمان : 6 ] يدلنا على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تبليغ أمر دعوته ، حتى لمن يعلم عنه أنه ضَلَّ في نفسه ، بل ويريد أنْ يُضل غيره . ومعنى { وَلَّىٰ } [ لقمان : 7 ] يعني : أعرض وأعطانا عرض أكتافه كما نقول : وتولى وهو مستكبر { وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً } [ لقمان : 7 ] أي : تكبَّر على ما يُدْعى إليه ، أنت دُعِيت إلى حق فاستكبرت ، ولو كنت مستكبراً في ذاتك لما لجأتَ إلى باطل لتشتريه ، إذن : فكيف تستكبر عن قبول الحق وأنت محتاج حتى إلى الباطل ؟ ولماذا تتكبَّر وليس عندك مُقوِّمات الكِبْر ؟ ومعلوم أنك تستكبر عن قبول الشيء إنْ كان عندك مثله ، فكيف وأنت لا تملك لا مثله ولا أقل منه ؟ إذن : فاستكبارك في غير محله ، والمستكبر دائماً إنسان في غفلة عن الله لأنه نظر إلى نفسه بالنسبة للناس - وربما كان لديه من المقومات ما يستكبر به على الناس - لكنه غفل عن الله ، ولو استحضر جلال ربه وكبرياءه سبحانه لاستحى أنْ يتكبَّر ، فالكبرياء صفة العظمة وصفة الجلال التي لا تنبغي إلا لله تعالى ، فكبرياؤه سبحانه شرف لنا وحماية تمنعنا أن نكون عبيداً لغيره سبحانه . لذلك نسمع في الأمثال العامية اللي ملوش كبير يشتري له كبير فإنْ كان لي كبير خافني الناس واحتميتُ به ، كذلك المؤمن يحتمي بكبرياء ربه لأن كبرياء الله على الجميع والكل أمامه سواسية ، لا أحد يستطيع أن يرفع رأسه أمام الحق سبحانه . إذن : فكبرياؤه تعالى لصالحنا نحن . وهذا المستكبر استكبر عن سماع الآيات { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } [ لقمان : 7 ] أي : ثِقَل وصَمَم { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ لقمان : 7 ] ونحن نعلم أن البشارة لا تكون إلا في الخير ، فهي الإخبار بأمر سارٍّ لم يأْت زمنه ، كما تبشر ولدك بالنجاح قبل أنْ تظهر النتيجة . أما البشارة بالعذاب فعلى سبيل التهكّم بهم والسخرية منهم ، كما تتهكم من التلميذ المهمل فتقول له : أبشرك رسبتَ هذا العام . واستخدام البُشرى في العذاب كأنك تنقله فجأة من الانبساط إلى الانقباض ، وفي هذا إيلام للنفس قبل أن تُقاسي ألم العذاب ، فالتلميذ الذي تقول له : أُبشِّرك يستبشر الخير بالبشرى ، ويظن أنه نجح لكن يُفَاجأ بالحقيقة التي تؤلمه . والشاعر يُصوِّر لنا هذه الصدمة الشعورية بقوله : @ كَما أبرقَتْ يَوْماً عِطَاشَاً غَمامَةٌ فَلمّا رأوْهَا أقْشَعَتْ وتجلَّتِ @@ ويقول آخر : @ فَأصْبحتُ من ليلى الغَداةَ كقَابِضٍ علَى الماء خَانتْه فُروجُ الأصَابِع @@ لذلك يقولون : ليس أشرّ على النفس من الابتداء المطمع يأتي بعده الانتهاء الموئس ، وسبق أن مثلنا لذلك بالسجين الذي بلغ به العطش منتهاه ، ورجا السجان ، إلى أنْ جاء له بكوب من الماء ، ففرح واستبشر ، وظن أن سجانه رجل طيب أصيل فلما رفع الكوب إلى فيه ضربه السجان من يده فأراقه على الأرض . ولا شكَّ أن هذا آلم وأشدّ على نفس السجين ، ولو رفض السجان أنْ يأتي له بالماء من البداية لكان أخفّ ألماً . وهذا الفعل يسمونه " يأس بعد إطماع " فقد ابتدأ معه بداية مُطمِعة ، وانتهى به إلى نهاية موئسة ، نعوذ بالله من القبض بعد البسط . ثم يذكر الحق سبحانه عقوبة الإضلال عن سبيل الله والتولِّي والاستكبار { فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ لقمان : 7 ] فعذابهم مرة مهين ومرة أليم . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ … } .