Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 14-14)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والتقدير : ذوقوا العذاب ، كما جاء في آية أخرى { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } [ القمر : 48 ] ويُقال هذا لزعماء ورءوس الكفر { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] . واختار حاسة التذوق لأن كل وسيلة إدراك قد تتصل بلون من ألوان الترف في الحياة ، أمَّا الذوق فيتصل بإمداد الحياة ، وهو الأكل والشرب ، وبهما قوام حياة الإنسان ، فهما ضرورتان للحياة لا مجردَ ترف فيها . وفي موضع آخر ، يُبيِّن لنا الحق سبحانه أثر الإذاقة ، فيقول عن القرية التي كفرت بربها : { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [ النحل : 112 ] وتصور أن يكون الجوع لباساً يستولي على الجسم كله ، وكأن الله تعالى يريد أنْ يُبين لنا عضة الجوع ، التي لا تقتصر على البطن فحسب ، إنما على كل الأعضاء ، فقال { لِبَاسَ ٱلْجُوعِ … } [ النحل : 112 ] لشمول الإذاقة ، فكأن كل عضو في الجسم سيذوق ألم الجوع ، وهذا المعنى لا يؤديه إلا اللفظ الذي اختاره القرآن . وقد فطن الشاعر إلى هذه الشمولية التي تستولي على الجسم كله ، فقال عن الحب الإلهي حين يستشرف في القلب ويفيض منه ليشمل كلَّ الجوارح ، فقال : @ خَطَراتُ ذِكْرِكَ تَسْتثيرُ مودَّتي فأُحِسُّ منها في الفُؤادِ دَبيبَا لا عُضْوَ لي إلاَّ وَفِيه صَبَابةٌ فَكأنَّ أَعْضَائي خُلِقْنَ قُلُوبَا @@ وعِلَّة هذه الإذاقة { بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ … } [ السجدة : 14 ] أي : يوم القيامة الذي حدَّثناكم عنه ، وحذَّرناكم من أهواله ، فلم نأخذكم على غِرَّة ، لكن نبهناكم إلى سوء العاقبة ، فلا عذرَ لكم الآن ، وقد ضخَّمنا لكم هذه الأهوال ، فكان من الواجب ان تلتفتوا إليها ، وأنْ تعتبروا بها ، وتتأكدوا من صِدْقها . أما المؤمنون فحين يروْنَ هذا الهول وهذا العذاب ينزل بالكفرة والمكذِّبين يفرحون لأن الله نجاهم بإيمانهم من هذا العذاب . وتكون عاقبة نسيان لقاء الله { إِنَّا نَسِينَاكُمْ … } [ السجدة : 14 ] فأنتم نسيتم لقاء الله ، ونسيتم توجيهاته ، وأغفلتم إنذاره وتحذيره لكم ، ونحن تركناكم ليس هملاً ، إنما تركناكم من امتداد الرحمة بكم ، فقد كانت رحمتي تشملكم في الدنيا ، ولم أخصّ بها المؤمنين بي ، بل جعلتُها للمؤمن وللكافر . فكل شيء في الوجود يعطي الإنسان مطلق الإنسان طالما أخذ بالأسباب ، لا فرق بين مؤمن وكافر ، هذا في الدنيا ، أما في الآخرة فننساكم من هذه الرحمة التي لا تستحقونها ، بل : { وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ السجدة : 14 ] . فإنْ كنتم قد تمردتم على الله وكفرتم به في دنيا محدودة ، وعمرك فيها محدود ، فإن العذاب الواقع بكم اليوم خالد باقٍ دائم ، فخسارتكم كبيرة ، ومصيبتكم فادحة . وقلنا : إن العمل في الدنيا للآخرة يمثل معادلة ينبغي أنْ تُحلّ حلاً صحيحاً ، فأنت في الدنيا عمرك لا يُحسب بعمرها ، إنما بمدة بقائك فيها ، فهو عمر محدود ، أما الآخرة فخلود لا ينتهي ، فلو أن النعيم فيهما سواء لكان امتداد الزمن مرجحاً للآخرة . ثم إن نعيمك في الدنيا على قدر إمكاناتك وحركتك فيها ، أما نعيم الآخرة فعلى قدر إمكانات الله في الكون ، نعيم الدنيا إما أنْ يفوتك أو تفوته أنت ، ونعيم الآخرة باقٍ لا يفوتك أبداً لأنك مخلد فيه . إذن : هي صفقة ينبغي أنْ تُحْسبَ حساباً صحيحاً ، وتستحق أن نبيع من أجلها الدنيا بكل ما فيها من غالٍ ونفيس لذلك سماها رسول الله تجارة رابحة . وقال سبحانه وتعالى عن الكافرين { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } [ البقرة : 16 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا … } .