Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا وَصف لما جرى في غزوة الأحزاب التي جمعتْ فُلول أعداء رسول الله ، فقد سبق أنْ حاربهم مُتفرِّقين ، والآن يجتمعون لحربه صلى الله عليه وسلم ، فجاءت قريش ومَنْ تبعها من غطفان وأسد وبني فزارة وغيرهم ، وجاء اليهود من بني النضير وبني قريظة ، وعجيب أنْ يجتمع كل هؤلاء لحرب الإسلام على ما كان بينهم من العداوة والخلاف . وقلنا : إن أهل الكتاب كانوا يستفتحون برسول الله على كفار مكة ، ثم جاءت الآيات لتجعل من أهل الكتاب شهداء على صِدْق رسول الله ، فقال تعالى : { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } [ الرعد : 43 ] . ولو قدَّر أهل الكتاب هذه الشهادة التي قرنها الحق سبحانه بشهادته ، لَكَان عليهم أنْ يؤمنوا بصِدْق رسول الله صلى الله عليه وسلم . والمعنى : { إِذْ جَآءُوكُمْ … } [ الأحزاب : 10 ] أي : اذكر يا محمد وتخيَّل وتصوَّر إذ جاءكم الأحزاب ، وتجمَّعوا لحربك { مِّن فَوْقِكُمْ … } [ الأحزاب : 10 ] أي : من ناحية الشرق ، وهُمْ : غطفان ، وبنو قريظة ، وبنو النضير { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ … } [ الأحزاب : 10 ] أي : من ناحية الغرب وهم قريش ، ومَنْ تبعهم من الفزاريين والأسديين وغيرهم { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ … } [ الأحزاب : 10 ] أي : اذكر إذ زاغت الأبصار ، ومعنى زاغ البصر أي : مال ، ومنه قوله تعالى : { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [ النجم : 17 ] . فـ زاغت الأبصار يعني : مالتْ عن سَمْتها وسنمها ، وقد خلق الله العين على هيئة خاصة ، بحيث تتحرك إلى أعلى ، وإلى أسفل ، وإلى اليمين ، وإلى الشمال ، ولكل اتجاه منها اسم في اللغة ، فيقولون : رأى أي : بجُمْع عَيْنه ، ولمح بمؤخَّر مُوقِه ، ورمق أي : من ناحية أنفه … إلخ فسَمْت العين وسَنمها أنْ تتحرك في هذه الاتجاهات ، فإذا فزعتْ من شيء أخذ البصر ، مال عن سَمْته من التحول ، لذلك يقول تعالى : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } [ الأنبياء : 97 ] . وقال : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] وشخوص البصر أنْ يرتفع الجَفْن الأعلى ، وتثبت العين على شيء ، لا تتحرَّك إلى غيره . وفي موضع آخر قال تعالى عن المنافقين والمعوِّقين : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ … } [ الأحزاب : 19 ] . لأن الهول ساعة يستولي على الأعين ، فمرة تشخص العين على ما ترى لا تتعداه إلى غيره من شدة الهول ، ومرة تدور هنا وهناك تبحث عن مفرٍّ أو مخرجٍ مما هي فيه ، فهذه حالات يتعرَّض لها الخائف المفزَّع . وقوله تعالى : { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ … } [ الأحزاب : 10 ] معلوم أن الحنجرة أعلى القصبة الهوائية في هذا التجويف المعروف ، فكيف تبلغ القلوبُ الحناجرَ ؟ هذا أثر آخر من آثار الهول والفزع ، فحين يفزع الإنسان يضطرب في ذاته ، وتزداد دقَّات قلبه ، وتنشط حركة التنفس ، حتى ليُخيَّل للإنسان من شدة ضربات قلبه أن قلبه سينخلع من مكانه ، ويقولون فعلاً في العامية قلبي هينط مني . وقوله تعالى : { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } [ الأحزاب : 10 ] . أي : ظنوناً مختلفة تأخذهم وتستولي عليهم ، فكلٌّ له ظنٌّ يخدم غرضه ، فالمؤمنون يظنون أن الله لن يُسلمهم ، ولن يتخلى عنهم ، والكافرون يظنون أنهم سينتصرون وسيستأصلون المؤمنين ، بحيث لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك . ونلحظ في هذه الآية أن الحق سبحانه لا يكتفي بأنْ يحكي له ما حدث ، إنما يجعله صلى الله عليه وسلم يستحضر الصورة بنفسه ، فيقول له : اذكُرْ إذ حدث كذا وكذا . ثم يقول الحق سبحانه : { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ … } .