Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 1-1)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ … } [ الأحزاب : 1 ] نداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمنادي هو الحق سبحانه ، رسول الله لقبه ، واسمه محمد ، واسمه أحمد كما ذُكر في القرآن ، والإنسان حين يُولَد يُوضع له اسم يدل على مُسمَّاه ، بحيث إذا أطلقه الواضع انصرف إلى المسمى ، والقوم الذين سُمُّوا لهم محيط يُعرفون فيه ، وغيرهم بنفس الأسماء لهم محيط آخر ، فمحمد هذا المحيط غير محمد هذا المحيط . وتعريف الإنسان يكون بالاسم أو بالكُنْية أو باللقب ، فالاسم هو العلم الذي يُوضع لمسمّى ليُعلَم به ويُنادَى به ، ويُميّز عن غيره ، أما الكنية فاسم صُدِّر بأب أو أم كما نقول : أبو بكر ، وأم المؤمنين ، فإنْ سُمِّي به بدايةً وجُعِل عَلَماً على شخص فهو اسم ، وليس كنية ، أما اللقب فما أشعر برفعة أو ضِعةً كما تقول : فلان الشاعر أو الشاطر … إلخ . فإذا أُطِلق الاسم الواحد على عدة مسميات ، بحيث لا تتميز بعضها عن بعض وجب أنْ تُوصَف بما يميزها كأسرة مثلاً عشقتْ اسم محمد فسمَّتْ كل أولادها محمد فلا بُدَّ أن نقول : محمد الكبير ، محمد الصغير ، محمد الأوسط … إلخ . ورسول الله صلى الله عليه وسلم له اسم وكُنْية ولقب ، أما اسمه فمحمد وقد ورد في القرآن الكريم أربع مرات : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ … } [ آل عمران : 144 ] . { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ … } [ الأحزاب : 40 ] . { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ … } [ الفتح : 29 ] . { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ … } [ محمد : 2 ] . وورد باسم أحمد في موضع واحد هو : { وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ … } [ الصف : 6 ] وسبق أنْ تكلَّمنا في علة هذه التسمية . أما كنيته : فأبو القاسم ، ولقبه : رسول الله . وهكذا استوفى سيدنا رسول الله العَلَمية في أوضاعها الثلاثة : الاسم ، والكُنْية ، واللقب . واللقب يضعه أيضاً الأب أو الأم أو الناس المحيطون بالإنسان ، إما يدل على الرفعة تفاؤلاً بأنه سيكون له شأن ، أو يدل على الضِّعَة ، وهذه في الغالب تحدث في الأولاد الذين يُخاف عليهم العين ، فيختارون لهم لقباً يدل على الحِطّة والضِّعة وما أشبهه بالفاسوخة يُعلِّقونها على الصغار مخافة العين . أما لقب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اختاره له ربه عز وجل ، وطبيعي أنْ يأتي لقبه صلى الله عليه وسلم مُشْعِراً برفعة أيما رفعة ، فهي ليست عند الخلق فحسب ، إنما رفعةَ عند الخالق ، فلما وُلِد رسول الله أسماه جده بأحب الأسماء عنده ، وقال : سمَّيْته محمداً ليُحمد في الأرض وفي السماء . ولما وُلِد القاسم كُنِّي به رسول الله فقيل : أبو القاسم ، فلما اختاره الله للرسالة وللسفارة بينه تعالى وبين الخَلْق لقّبه برسول الله وبالنبي ، وهذان اللقبان على قدر عظيم من الرفعة لو جاءت من البشر ، فما بالك وهي من عند الله ، فأنت حين تضع المقاييس تضعها على قَدْر معرفتك وإمكاناتك . فالرسول صلى الله عليه وسلم رسول الله ونبي الله بمقاييس الله ، فهو إذن مُشرّف عندكم ، مُشرَّف عند مَنْ أرسله و { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ … } [ الأنعام : 124 ] . فأحبُّ شيء في الإعلام برسول الله أن نقول : محمد ، أو أبو القاسم ، أو رسول الله ، أو النبي ، والحق سبحانه حين نادى رسوله صلى الله عليه وسلم لم يُنَاده باسمه أبداً ، فلم يقُلْ يا محمد ، إنما بلقبه الذي يُشعر برفعته عند الحق سبحانه ، فقال في ندائه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ … } [ الأنفال : 65 ] ، { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ … } [ المائدة : 41 ] . ولو تتبعت نداء الله للرسل من لَدُنْ آدم عليه السلام لا تجد رسولاً نُودِي بغير اسمه إلا محمد صلى الله عليه وسلم . أما لفظ محمد فقد ورد في القرآن ، لكن في غير النداء ، ورد على سبيل الإخبار بأن محمداً رسول الله . وحتى في الإخبار عنه صلى الله عليه وسلم أخبر الله عنه بلقبه : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } [ التوبة : 128 ] . وقال : { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [ الفرقان : 30 ] . إذن : في النداء استقل بيا أيها النبي ، ويا أيها الرسول ، أما في الإخبار فلا بُدَّ أنْ يذكر اسمه محمد رسول الله ، وإلا فكيف يعرف أنه رسول الله ؟ فيخبر به أولاً اسماً ومُسمّى . ونُودِي صلى الله عليه وسلم بيٰأيها النبي ، ويٰأيها الرسول تعظيماً له صلى الله عليه وسلم ، ونحن حين نريد أنْ نُعظِّم مَنْ ننادي نسبق الاسم بمقدمات ، نقول : يا سيدي فلان ، يا فضيلة الشيخ ، يا صاحب العزة … إلخ . وقد تقدمتْ أَيُّهَا على المنادي هنا لأن الاسم المنادى المحلَّى بأل لا يُنادى مباشرة إلا في لفظ الجلالة الله فنقول : يا الله ، فكأن الحق سبحانه توحَّد حتى في النداء ، هذا في نداء المفرد . والحق سبحانه نادى رسوله بيٰأيها النبي ، ويٰأيها الرسول ، الرسول هو سفير بين الله وبين خَلْقه ليُبلغهم منهجه الذي يريد أنْ تسير عليه حياتهم فالرسول مُبلِّغ ، أما النبي فمُرْسَل أيضاً من قِبلَ الحق سبحانه ، لكن ليس معه شرع جديد ، إنما يسير على شرع مَنْ سبقه من الرسل ، أما فهو فقدوة وأُسْوة سلوكية لقومه . ومحمد صلى الله عليه وسلم جمع الأمرين معاً ، فهو نبي ورسول له خصوصيات أُمِر بها ، ولم يُؤْمَر بتبليغها - وهذه مسائل خاصة بالنبوة - وله أمور أخرى أُمِر بها ، وأُمِر بتبليغها . ومعلوم من أقوال العلماء أن كل رسول نبي ، وليس كل نبي رسول بالمعنى الاصطلاحي ، وإلا فَهُم جميعاً مُرْسَلون من قِبَل الله . وكلمة النبي مأخوذة من النبأ وهو الخبر الهام ، فالخبر يكون من البشر للبشر ، فإنْ كان من خالق البشر فهو نبأ أي : أمر عظيم ينبغي الاهتمام به ، وأصْله من النَّبْوَة ، وهي الشيء العالي المستدير في وسط شيء مسْتَوٍ . فحين تقول : رأيتُ فلاناً اليوم ، هذا لا يُسمَّى نبأ إنما خبر لذلك قال سبحانه : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [ النبأ : 1 - 2 ] أي : الخبر الهائل الذي هزَّ الدنيا كلها ، وملأ الأسماع ، وزلزل العروش . ثم يقول سبحانه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم { ٱتَّقِ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 1 ] سبق أنْ قُلْنا : إن الكلام العربي مُقسَّم إلى خبر وإنشاء ، فالخبر نسبة كلامية كانت قبل النطق بها نسبة ذهنية ، وبعد النطق بها كلامية ، فإنْ كان لها معنى ومدلول فهي نسبة واقعية ، والخبر هو القول الذي يُوصَف بالصدق إنْ طابق الواقع ، ويُوصَف بالكذب إن خالف . أما الإنشاء فهو مقابل الخبر يعني : قوْلٌ لا يُوصَف بصدق ولا بكذب ، كأن تقول لإنسان : قِفْ ، فهذا أمر لا يقال لقائله : صادق ، ولا كاذب . فقوله تعالى لنبيه { ٱتَّقِ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 1 ] هذه نسبة كلامية من الله لرسوله ، ليحدث مدلول هذا الأمر ، وهو التقوى ، لكن أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم غير تقي حتى يأمره ربه بالتقوى ؟ نقول : ليس بالضرورة أنْ يكون الرسول عصى ، فيأمره الله بتقواه ، لكن الحق سبحانه ينشئ مع رسوله كلاماً بداية دون سابقة عصيان . أو : أنه الأمر الأول بالتقوى كما تقول لولدك في بداية الدراسة : اجتهد وذاكر دروسك ، وأنت تعرف أنه مجتهد ، لكن لا بُدَّ من تقرير المبدأ في بداية الأمر . ثم إن الحدث يحدث في أزمنة ثلاثة : ماضٍ وحال ومستقبل ، فإذا طلب من شخص فعل شيء هو مقيم عليه بالفعل كقوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ النساء : 136 ] . فالحق سبحانه يأمرهم بالإيمان ، مع أنه وصفهم وخاطبهم بلفظ الإيمان لأن المعنى : أنتم آمنتم قبل أنْ أُكلمكم ، وهذا الإيمان السابق لكلامي ماضٍ ، وأنا أريد منكم أنْ تُحدِثوا إيماناً جديداً ، حالاً ومستقبلاً ، أريد أنْ تُجدِّدوا إيمانكم ، وأنْ تستَمروا عليه . فمعنى { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 1 ] أي : واصل تقواك حالاً ، كما فعلتها سابقاً ، وواصلها مستقبلاً ، فلا تنقطع عنها أبداً . أو : أن تقوى الله أمر يلصق الإنسانَ بربه ، والله كلَّف بأشياء ، ثم أباح لك من جنس التكليف أشياء ، فإذا قال الله لرسوله { ٱتَّقِ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 1 ] فهي غير قوله لنا : اتقوا الله ، فالأمر لنا نحن بالتقوى ، أي : نفِّذ ما فُرِض عليك ، أما في حق رسول الله فهي بمعنى : ادخل في مقام الإحسان ، وجدِّده دائماً لأن مراقي القبول من الله لا تنتهي ، كما أن كمالات العطاء في الله لا تنتهي . لذلك قال صلى الله عليه وسلم : " من استوى يوماه فهو مغبون " أي : من استوى يومه مع أمسه في قُرْبه من الله فهو خاسر ، لماذا ؟ لأنه ينبغي للمؤمن أنْ يزيد في قُرْبه وفي مودته ، وعلاقته بالله يوماً بعد يوم لأن نِعَم الله عليك متوالية تستوجب شكراً متوالياً ، وحمداً دائماً . كما أن الحق سبحانه لا يكتفي من رسوله بما يكتفي به من سائر الخلق ، إذن : فالتقوى بالنسبة لرسول الله غير التقوى بالنسبة لسائر الخَلْق ، التقوى في حق رسول الله مجالها أوسع ، وللرسول مع الله فيوضات لا تنتهي . لذلك حين يناديك ربك للصلاة في كل يوم خمس مرات ، فاعلم أن فضله عليك غير مكرر ، بل فضله متجدد ، فعطاؤه لك في الظهر غير عطائه لك في العصر ، غير عطائه لك في المغرب ، وهكذا تكون التقوى عملاً متواصلاً ممتداً . ولذلك يحذرنا أهل الخير أن نداوم مع الله في شيء من الطاعة ، ثم نقصر عنها ، كذلك يحذرنا الشرع أنْ ننذر لله ما لا نستطيع الوفاء به ، لأنك بالنذر تفرض على نفسك الطاعة ، فأجمِلْ بك أنْ تظل في مقام التطوع ، إنْ خفّت نفسك للطاعة أدِّها ، وإنْ قصُرت فلا شيء عليك . وكونك تفرض على نفسك شيئاً من الطاعات من جنس ما فرض الله عليك . يعني : أنك أحببتَ الطاعة وحَلَتْ لك العبادة ، حتى زدتَ الله منها ، فقلت مثلاً : نذرتُ لله أن أصلي من الركعات كذا ، أو أتصدَّق بكذا من المال لأنك رأيتَ في الصلوات الخمس إشراقات وفيوضات من الله فزدْتَ منها . والحق سبحانه يطلب منا حين ينادينا للصلاة أنْ نسعى للمسجد ، مع أن الأرض كلها مسجد وكلها طهور ، لكن المسجد خُصِّص للصلاة ، فينبغي أنْ تُؤدَّى فيه ، وأنت في صلاة ما دُمْتَ تسعى للصلاة ، فمَنْ كان بعيد البيت عن المسجد عليه أنْ يأتي الصلاة في سكينة ووقار ، ولا يخرج عن هذا السَّمْت حتى وإنْ تأخر عن تكبيرة الإحرام . وقد ورد في حديث سيدنا رسول الله : " إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ، وأتوها تمشون وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتموا " . وهناك مطلوب إيمان ومطلوب إحسان : مطلوب الإيمان هو ما فرضه الله عليك ، وجاء في الحديث القدسي : " ما تقرَّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إلىّ مما افترضته عليه " . فإنْ أردتَ أن تتقرب إلى الله فتقرَّب إليه بما يحب ، ومن جنس ما فرضه عليك ، فالله أمرك بصلاة وصيام وزكاة ، فإنْ حَلَتْ لك هذه العبادات فزدْ منها فوق ما فرضه الله عليك ، وحين تزيد اعرف أنه مسَّتْكَ نورانية الإشراق في العبادة فقلت : الله يستحق مني فوق ما كلَّفني ، وهذا هو مقام الإحسان . وسبق أنْ تحدثنا عن هذا المعنى في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 15 - 18 ] . وهل فرض الله على عبده ألاَّ يهجع إلا قليلاً من الليل ؟ لا بل لك أنْ تُصلي العشاء ، وتنام حتى صلاة الفجر ، كذلك في الاستغفار ، أما الذي لا يهجع من الليل إلا قليلاً ويقوم في السَّحَر للاستغفار ، فلا بُدَّ أنه حَلَتْ له العبادة ، وحلا له الوقوف في حضرة ربه - عز وجل - فدخل في مقام الإحسان . ثم الإحسان نوعان : إحسان كم ، وإحسان كيف ، إحسان الكم بأنْ تزيد على ما فُرِض عليك ، فتصلي فوق الفرض وتُزكِّي فوق الفرض ، أما إحسان الكيف فبأنْ تخلص في عبادتك لله ، وأنْ تعبد الله كأنك تراه ، فإنْ لم تكُنْ تراه فإنه يراك يعني : إذا لم يكُن لديك الإشراق والشفافية التي تريك الله ، فلا أقلَّ من أنْ تعبده على أنه يراك . وساعة تدخل في مقام الإحسان فأنت حرٌّ إذن فيما تقدم من الإحسان ، كما قال سبحانه : { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ … } [ التوبة : 91 ] على حسب ما تخفّ نفسك للطاعة ، خفَّتْ لخمس ركعات ، خفَّتْ لعشر ، خفَّت لخمسة بالمائة في الزكاة ، خفَّتْ لعشرة … إلخ أنت حر . ألا ترى أن الحق سبحانه لما تكلم عن هذا المقام قال : { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 19 ] أما في الزكاة المفروضة فقال : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } [ المعارج : 24 ] . إذن { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 1 ] أي : تقوى تناسب مقامك من ربك لأن عطاءات الله سبحانه لا تتناهى ، كما أن كمالاته لا تتناهى ، لذلك كان سيدنا رسول الله يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ولما سألته السيدة عائشة : تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك ؟ قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " . يعني : العبادة لا تكون لمجرد الثواب والمغفرة ، إنما هناك درجات وارتقاءات أخرى . والتقوى : قلنا أنْ تجعل بينك وبين ما يمكن أنْ ينشأ منه ضرر لك وقاية ، لكن كيف نجعل بيننا وبين ربنا سبحانه وقاية ، ومهمة التقوى أن تندمج مع الله في معيته ؟ هذا في حق مَنْ يتحكم جيداً في نفسه ، ويحملها على منهج الله . قالوا : لأن لله تعالى صفات جلال وصفات جمال ، ولكل صفة منها مطلوب ، فالله تعالى غفور رحيم ، وهو أيضاً سبحانه القهار الجبار المنتقم ، الله سبحانه هو الضار وهو النافع ، إذن : فصفات الجمال هي التي تُؤتِي الإنسان الخير الذي يحبه ، وصفات الجلال هي التي تتسلط على مَنْ يخالف . فعلى العبد دائماً أنْ يظل خائفاً من صفات الجلال راجياً صفات الجمال . إذن : تقوى الله تكون بأنْ تجعل بينك وبين صفات الجلال وقاية لأنك لستَ مطيقاً لهذه الصفات ، ولا تطيق مسَّة خفيفة من النار ، وهي جند من جنود الله فاحذرها . وعرفنا في مسألة الشفاعة أن الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما ، وأن الله يُشفِّع بعض المؤمنين ، ويُشفِّع الأنبياء والملائكة ، ثم بعد ذلك تبقى شفاعة أرحم الراحمين ، فكيف يشفع الله عند الله ؟ قالوا : أي تشفع صفات الجمال عند صفات الجلال ، فحين يذنب العبد ذنباً تتسلط عليه صفات الجلال لتعاقبه ، فتتصدى لها صفات الجمال ، وتشفع عندها لتسقط ما لها عنده من حق . ثم يقول سبحانه مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ … } [ الأحزاب : 1 ] فهل حين يتقي رسول الله ربه أيطيع الكافرين والمنافقين ؟ قالوا : جمع القرآن بين الأمر بالتقوى والنهي عن طاعة الكافرين والمنافقين على الالتزام ، تقول : أكرم فلاناً وفلاناً أيضاً ، فلم تقل لا تكرم إلا فلاناً ، إذن : فعطف لا تُطع الكافرين والمنافقين على { ٱتَّقِ ٱللَّهَ … } [ الأحزاب : 1 ] بالالتزام . والنبي صلى الله عليه وسلم حينما جاء جاء على نظام كوني أعده الله تعالى لخَلْقه ، وحين خلق الله الخَلْق أخذ على الإنسانية كلها بكل أفرادها من آدم إلى أن تقوم الساعة - أخذ عليهم العهد { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ … } [ الأعراف : 172 ] فشهدوا لله تعالى قبل أنْ تتهيأ لهم المعاصي والشهوات . فإذا أصابت الناسَ غفلةٌ أو نسُوا هذا العهد بعث الله لهم من رسله مَنْ يُذكِّرهم لذلك خُوطِب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ … } [ الرعد : 7 ] . وقال سبحانه عن الرسل : { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ … } [ النساء : 165 ] يعني : ليسوا منشئين تقوى وطاعة ، إنما مذكرون بقضية معلومة سَلَفاً من الأزل ، وما هم إلا مبشرين بالثواب لمن أطاع ، ومنذرون بالعذاب لمن عصى ، والحق سبحانه يريد من عباده أن يكونوا على ذكر دائم لهذه الحقيقة وألاَّ يغفلواعنها . والغفلة تأتي إما من شهوة النفس أو كسلها عن مطلوب شاق للعبادة أو وسوسة من غير مطيع في أذنك ، سواء أكان من شياطين الإنس أو من شياطين الجن ، كما قال تعالى : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ … } [ الأنعام : 112 ] . وقلنا : إن المنحرف يحسد المستقيم على استقامته ، لكنه لا يستطيع أنْ يتحمل تبعات هذه الطاعة ، فلا أقلَّ من أنْ يحاول أنْ يجذب المستقيم إليه ، فيوسوس له ويصرفه عن صفة الكمال التي له لذلك حين يوسوس لك صاحبك بشيء من معصية الله فأول شيء ينبغي أنْ تفطن إليه أنه يكرهك ، ولا يريد لك الخير الذي يعجز هو عن إدراكه ، فهو لا يريد لك أنْ تتميز عليه بشيء . إذن : الكافرون والمنافقون الذي يصادمون دعوة الرسل لم يقدروا على أنْ يحملوا أنفسهم على منهج الله ، ولا أنْ يلتزموا كما التزم المؤمنون ، فلا أقلَّ من أنْ يحولوا بين المؤمنين وبين المنهج الجديد الذي جاء به رسول الله . وقلنا : إن الرسول لم يأتِ إلا لضرورة ، هي انطماس معالم المنهج عند المرسل إليهم ، وانعدام الرادع في النفس البشرية أولاً ثم في المجتمع ككل ، فالإنسان حين يغفل تُذكِّره النفس اللوامة وتردُّه عن المعصية ، فإذا ما ضعف سلطان هذه النفس تحكمتْ فيه النفس الأمَّارة بالسوء وصرفتْه عن الخير كله ، فلم يَبْقَ له رادع إلا في المجتمع الإيماني الذي يقوم بدوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهذه هي ميزة الخيرية في هذه الأمة التي قال الله فيها : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ … } [ آل عمران : 110 ] . فإذا انطمس هذا المبدأ في المجتمع أيضاً حتى لم يَعُدْ فيه آمر بمعروف ولا نآهٍ عن منكر ، فلا بُدَّ أنْ تتدخّل السماء بإيقاظ جديد برسول جديد ، لكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم من شرفها عند ربها وشرفها برسولها أن الله منحها هذه الخيرية ، بحيث لا يعدم فيها الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر أبداً لذلك لا يجيء رسول بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها أمة مأمونة . ولا بُدَّ للأمة التي توفرتْ لها هذه المناعة الجماعية الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر أنْ يكون لها وَعْيٌ إيماني وفهم جيد لهذه المهمة ، وقد وردت فيها مذكرة الإيضاح التفسيرية من سيدنا رسول الله حين قال : " مَنْ رأى منكم منكراً فليُغيِّره بيده ، فإنْ لم يستطع فبلسانه ، فإنْ لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " . فالمشرِّع قدَّر عدم الاستطاعة ، فجعل لكل خطوة من أمر بمعروف أو نهى عن منكر مجالاً : متى أُغيِّر المنكر بيدي ؟ ومتى أُغيره بلساني ؟ ومتى أغيره بقلبي ؟ أغيره بيدي فيمن أملك الولاية عليه ، حيث أتمكن من التغيير ، فإنْ كان المُنْكَر ممن لا ولايةَ لي عليه ، فعلىَّ أنْ أغيره بلساني في ضوء قوله تعالى : { ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ … } [ النحل : 125 ] بالأسلوب الحسن الجميل ، لكن تجد بعض الدعاة يدعون على غير بصيرة ، فيغفلون مسألة الاستطاعة ، ولا يجعلون لعدم الاستطاعة مجالاً ، ويميلون إلى تغيير المنكر كله باليد ، وهذا مخالف لأمر رسول الله . فإنْ توقعتَ أنْ يصيبك ضرر فلتغير المنكر بقلبك لأن الهدف أن تستقطب المنحرف إلى جهة الاعتدال ، وهذا لا يتم إلا باللين وبالرفق حتى لا تجمع عليه شدتين : الأولى أنْ تُخرِجه مما يألف ، والثانية : أنْ تُخرِجه عما يألفه بما يكرهه . ويخطئ الكثيرون في فهم تغيير المنكر بالقلب فيظنون مثلاً أن تقول في نفسك : اللهم إن هذا منكر لا يرضيك وأنا أنكره ، هذا مجرد إنكار باللسان والله لا يريد كلمة تخرج من أفواههم ، إنما يريد منا عمل القلب الذي يتبعه عمل الجوارح ، فقالبك في هذا الإنكار تابع لقلبك . فحين ترى مَنِ استشرى في العصيان والطغيان وأنت لا تقدر على نهيه ، لا بيدك ولا بلسانك ، ولا تستطيع مواجهته ، فعليك أن تكون كارهاً لعمله معرضاً عنه ، مهملاً له ، فلا تجامله في حزن ولا تُهنِّئه في فرح ولا تساعده إن احتاج … إلخ . عليكْ أنْ تعزله عن مجتمعك ، فإذا فعل معه الجميع هذا الفعل ، وسلكوا معه هذا المسلك سقط واحده وارتدع . لذلك لم نر النبي صلى الله عليه وسلم صنع سجناً للمسلمين المخالفين ، إنما جعل سجنهم في عزل المجتمع الإيماني لهم ، أو سجن المجتمع عنهم ، لا يكلمهم ولا يتعامل معهم ، حتى الزوجة عزلها الشرع عن زوجها لا يقربها حتى يقضي الله في أمره . أتذكرون قصة كعب بن مالك ، وكيف عزله المجتمع الإيماني وكان من الثلاثة الذين خُلِّفوا عن رسول الله في غزوة تبوك ، حتى قاطعه أقرب الناس إليه ، فلما تسوَّر الحديقة على ابن عمه وقال : تعلم أني أحب رسول الله فلم يرد عليه . وتأتي زوجة هلال إلى رسول الله وقد كان أحد الثلاثة أيضاً ، وتقول : يا رسول الله ، إن هلالاً رجل كبير السن ، ليس له ما للرجال في النساء ، فقال لها : اخدميه لكن لا يقربنك . وقد ظل هؤلاء في هذه العزلة حتى أن القرآن قال فيهم : { حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ … } [ التوبة : 118 ] . هكذا التزم المسلمون الأوائل بشرع الله ، واستطاعوا لا نقول سجن المخالف ، إنما سجن المجتمع عنه ، وهذه المسألة هي سبب الأزمة التي تعيشها بلدنا الآن ، فالمجرم الذي يعيش بيننا ، أليس معلوماً لأهل المنزل الذي يعيش فيه ، بل لأهل الحي والشارع ؟ فهل ذهب واحد منهم إلى تاجر فقال له : أعطني كذا فقال : لا ليس عندي وقاطعه ؟ هل سلَّم واحد منهم على شخص ، فلم يردّ عليه السلام ؟ إذن : المجتمع كله يتحمل هذه المسئولية ، ويتحمل الإثم عليها لأنه تستَّر على هؤلاء ، لدرجة أن نقول : إن المجتمع نفسه مجرم أكثر من المجرمين . وينبغي قبل أنْ نتكلم عن المجرم نتكلم معه نحاوره وننصحه ونحسن إليه قبل أن نقاطعه ، نفهم هذا المعنى من قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " ولم يقل على سلطان جائر . فقبل أنْ نفضحه ونُشنَّع عليه يجب أنْ نتكلم معه ، وأنْ ننصحه حتى يعلم أنك تريد به الخير ، وتريد أنْ ترده إلى الجادة فيقبل منك ، وعلى الأقل لا يضرك ، إنما آفتنا أننا نُشنِّع على المجرم ، وربما نُحمِّله فوق الصدق الواحد ألف كذب لمجرد كراهيتنا له . لذلك قال العربي في صفات الناس : إنْ علموا الخير أخفوه ، وإنْ علموا الشر أذاعوه ، وإنْ لم يعلموا كذبوا . إذن : معنى التغيير بالقلب أن يكون قالبك موافقاً لقلبك ، وهذه لا تُكلِّفك شيئاً ، على خلاف التغيير باليد أو باللسان لذلك وصفه رسول الله بأضعف الإيمان ، يعني أنها مسألة يقوم بها الضعيف . وبعزل المجتمع عن المجرم تنتهي ظاهرة الإجرام ، وما استشرى الإجرام إلا حين خاف الناس من المجرمين وتملّقوهم وتودَّدوا إليهم ربما لاتقاء شَرِّهم ، ولم لا يزداد المجرم في إجرامه والأمر كذلك ؟ لذلك جعل الشارع الحكيم الدية في القتل الخطأ ليست على القاتل وحده ، إنما على العاقلة أي : على جميع العائلة لأنها المنوط بها تقويم أبنائها ، والأخذ على أيدي المنحرف منهم لأنها هي التي ستتحمل العاقبة ، وبذلك يحدث التوازن في المجتمع . والحق - سبحانه وتعالى - حين وضع المنهج الذي يُنظِّم حياة الخَلْق يريد سبحانه الخير لخلقه ، وهو سبحانه صاحب الخير ولا ينتفع منه بشيء ، فلو أن الخَلْق جميعاً كانوا على أتقى قلب رجل واحد منهم ما زاد ذلك في مُلْك الله شيئاً . ثم هو سبحانه خلق الإنسان ، وحدد مهمته في الحياة ، ووضع له قانون صيانته فيها ، كما أن صانع الآلة يحدد الهدف منها قبل صناعتها ، وحدد لها قانون صيانتها ، فالذي صنع الغسالة مثلاً رأى كيف تتعب المرأة في عملية غسيل الملابس ، فصنع هذه الآلة لتقوم بهذه المهمة ، ولم يحدث أنْ صنع صانع آلة ، ثم قال : انظروا في أيِّ شيء يمكن أنْ تُستخدم . لذلك ، فَشَلُ العالم كله يأتي من أن الخَلْق يريدون أنْ يحددوا مهمة الإنسان ، ويضعوا له قانون صيانته ، ويغفلون أنه صنعة الله ، والذي يحدد مهمة الصَّنْعَة هو صانعها . والحق سبحانه حدَّد لنا مهمتنا في الحياة قبل أنْ يستدعينا إليها ، واقرأ إنْ شئتَ قوْلَ ربك : { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ } [ الرحمن : 1 - 3 ] . فالحق سبحانه قبل أنْ يخلق الإنسان وضع له المنهج ، وحدَّد له مهمته وقانون صيانته في قرآنه الكريم ، كما يحدد الصانع مهمة صَنْعته أولاً ، فإنْ حدث في هذه الصنعة عَطَب فيجب أنْ تُردَّ إلى الصانع ، وإلى قانون الصيانة بافعل ولا تفعل لأنه سبحانه هو الذي خلق ، وهو الذي يعلم ما يصلح صنعته ويضمن سلامتها ، واقرأ إنْ شئتَ : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] . ويقول تعالى : { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ … } [ النساء : 59 ] إذن : فآفة المجتمع البشري أولاً : أنه يريد أن يُحدِّد لخَلْق الله مهمتهم ، وأن يتدخل في صنعة ليست صنعته . ثانياً : حين يفسد المجتمع يجعلون له قوانين إصلاحية من عندهم ، وهل تركنا الله بدون منهج ، وبدون قانون صيانة ؟ لقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا إذا حزبه أمر أو عَزَّ عليه شيء يُهْرع إلى ربه ، ويقف بين يديه في الصلاة ، كما تعرض أنت آلتك أو جهازك على المهندس المختص ، فيصلح لك ما فيه من عطب ، وهذه مسألة مادية يصلحها المهندس بشيء مادي . أما الحق سبحانه فغيب ، فحين يصلحك أنت أيها العبد يصلحك بقانون الغيب ، بحيث لا تدري أنت كيف أصلحك ، المهم حين تعرض نفسك على ربك وعلى خالقك - عز وجل - تعود مُنْشرح الصدر ، راضياً طِّيب النفس . الحق سبحانه يقول لرسوله : { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ … } [ الأحزاب : 1 ] لأنهم أهل فساد يمارسونه وينتفعون به لذلك لا بُدَّ أنْ يصادموا الحق ، وأنْ يعترضوا طريقه ، وأساس الفساد في الكون أنْ يحب الإنسان أنْ يأخذ خير غيره ، وأن يكون دمه من عرق الآخرين ، فإذا جاء مَنْ يعدل هذا الميزان المائل وقفوا له بالمرصاد لأن دعوته تتعارض ومنافعهم . والحق سبحانه بيَّن لنا على مدى موكب الرسل جميعاً أنه ما من رسول إلا كان له أعداء ومعاندون ، لكن سنة الله في الرسل أنْ تكون لهم الغَلَبة في نهاية الأمر ، كما قال سبحانه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] . إذن : فالله تعالى يريد منا الاستقامة على منهجه ، وأهل الفساد يريدون الانحراف عن هذا المنهج ، واقرأ : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً … } [ الأنعام : 153 ] يعني : استقامة على إطلاقها ، فمَنْ منكم يرينا فيه التواءً أو اعوجاجاً ؟ { فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ … } [ الأنعام : 153 ] . فالصراط المستقيم واحد ، وسبيل الحق واحد ، أما الباطل والفساد فله سُبُل شتى ، وقد نبهنا سيدنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه القضية حين خَطَّ للصحابة خطاً واحداً مستقيماً ، وعلى جانبيه خطوطاً ، ثم تلا : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ … } [ الأنعام : 153 ] . وتعلَّمنا في علم الهندسة أن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين ، فلو خَطَّ مهندس طريقاً مستقيماً بين بلدين مثلاً تراه لو انحرف في بداية الطريق عدة سنتيمترات فإنها تبعده عن البلدة الأخرى عدة كيلو مترات . إذن : الطريق المستقيم هو الذي يُسهِّل لك السفر ، ويقرب لك المسافة ، أما السبل المتعددة فإنها تهدر مجهودك وتشقُّ عليك ، حتى أنت في لغتنا العامية تقول لصاحبك : تعال دغُري أو تقول بلاش لف ودوران كذلك يقول لك ربك : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ … } [ الأنعام : 153 ] . وإن كان طريق الحق واحداً ، فطرق الضلال متعددة ، فواحد فساده من ناحية المال ، وواحد من ناحية النساء ، وواحد يفسده المنصب والسلطان … إلخ . فإذا ما جاء رسول من عند الله يكبح جماح هؤلاء لا بُدَّ أن يتصادموا معه لذلك ينبه الحق - تبارك وتعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم : أول مراتب التقوى أن تتقي الله وحده ، ثم لا تُطِع الكافرين والمنافقين لأنهم يريدون أنْ يأخذوك للشر والله يريدك للَخير . وقوله تعالى : { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ … } [ الأحزاب : 1 ] تعني : أنه لا مانع أن تطيع غيرهم من أصحاب الرأي والمشورة من المؤمنين فيما لم يأتكَ فيه أمر من الله لذلك " نزل سيدنا رسول الله في غزوة بدر على رأَي الصحابي الجليل الحباب بن المنذر لما قال له : يا رسول الله ، أهذا منزلٌ أنزلكه الله ، أم هو الحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بل هو الحرب والمكيدة " ، فقال : إذن هذا ليس لك بمنزل " . وقد أشار سلمان الفارسي على رسول الله بحفر الخندق فأخذ بمشورته ، والقاعدة الشرعية تقول : لا اجتهاد مع النص ، فإذا لم يكُنْ في المسألة نصٌّ فلا مانع من أنْ تطيع المؤمنين الناصحين لك ، المشيرين عليك بالخير . فالحق سبحانه لم يمنع عن رسوله نُصْح الناصحين ، ولم يحرمه مشورة أهل الرأي . وقد اختلف الناس حول استشارة الحاكم : أهي ملزمة له أم غير ملزمة ؟ وإجابة هذا السؤال في قوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ … } [ آل عمران : 159 ] . فللحاكم أنْ يسمع المشورة ، وأنْ يقارن بين الآراء ويفاضل بينها ، ثم يكون له وحده القرار النهائي { فَإِذَا عَزَمْتَ … } [ آل عمران : 159 ] أي : أنت وحدك . وفي العالم المعاصر نرى الأنظمة إذا احتاجت إلى أَخْذ الآراء في موضوع ما ترجح الجانب الذي به الرئيس ، وهذا لا يصح ، فالآراء تنير للرئيس الطريق ، وتوضح له الصورة ، وله هو القرار الأخير لأن الحيثية التي انتخبته من خلالها أنك تشهد له بالتفوق ، إذن : فهو الذي يرجح أحد الآراء . وفَرْق بين المشورة والتفويض ، فحين يُفوِّض رئيس الدولة شخصاً أو هيئة لدراسة أمر من الأمور ، أو اتخاذ قرار ، فهي صاحبة الرأي ، وحين تعرض عليه ما توصلتْ إليه يعطيها الموافقة لأنه فوَّضها في هذا الأمر ، إذن : التفويض يجيز لك اتخاذ القرار ، أمَّا المشورة فتقف عند عرض الرأي فحسب . والرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يريد الخروج لغزوة أُحُد ، لكن لما شاور صحابته أشاروا عليه بالخروج لما عندهم من العزة والحماس لنصرة دين الله ، وظلوا برسول الله حتى استعد للحرب ، ولبس لها ملابسها ، ثم عادوا إلى رأيه صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج . فقال صلى الله عليه وسلم : " ما كان لنبي يلبس لامة الحرب … " . وحدث ما حدث في أُحُد ولم ينتصر المسلمون ، أما أبو بكر رضي الله عنه - فلم يستمع لمشورة المسلمين في حرب الردة وصمَّم عليها ، وقال : والله لأقاتلنهم ولو بالذر يعني : بالحصى ، وانتصر الصِّديق ، وإليه يرجع الفضل في إنقاذ دين الله من فتنة كادت تذهب به . إذن : فاجعلوا من اختيار الله لرسوله صلى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم مُرجِّحاً ، فيأخذ منكم جميع الآراء ، ويستشيركم ، ثم ينفذ هو ما يراه مناسباً . وهنا فَرْق بين الكافرين والمنافقين ، ولدينا بعض المصطلحات التي ينبغي أن نكون على علم بمدلولها : الإيمان والكفر والنفاق والجحد . الإيمان : الإنسان منا له قلب يحمل النوايا ، وله قالب يعبر عنها ، كما قال الشاعر : @ إنَّ الكَلاَم لَفِي الفُؤادِ وإنَّمَا جُعِلَ اللسَانُ عَلَى الفُؤادِ دَليلاً @@ فالإيمان هو الحق الذي يعتقده القلب ، ويقتنع به ، ويوافقه اللسان والقالب ، أما إنْ وافق اللسان القلب في الباطل فهذا هو الكفر . لذلك قلنا : إن الكافر منطقي مع نفسه لأنه نطق بما في قلبه ، لكنه غير منطقي مع الحق لأنه جحده بقلبه وجحده بلسانه ، فليس عنده اختلاف بين القلب واللسان . أما النفاق فهو أنْ يعتقد القلب الكفر ويضمره ، ويعلن اللسان كلمة الإيمان ، فالمنافق يخالف لسانُه قلبَه ، فهو غير منطقي لا مع الحق ولا مع نفسه لذلك كان المنافق في الدَّرْك الأسفل من النار ، لأنه أشرُّ من الكافر . لذلك لما طلب سيدنا رسول الله من القوم أنْ يقولوا : لا إله إلا الله قالتها القلة المؤمنة ، وامتنعت الكثرة الكافرة ، لماذا ؟ لأنهم يعرفون معناها ، وإلا لَقَالوها من بداية الأمر ، وانتهت المواجهة بين الإيمان والكفر ، فعدم نُطْقهم بها دليل على فهمهم لها ولمطلوباتها . أما الجاحد فعلى النقيض من المنافق ، فهو مقتنع في نفسه ، لكنه لا يقدر على النطق بما يقتنع به من الحق لذلك يقول تعالى عنهم : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } [ النمل : 14 ] . ولما طال الجدل بينهم وبين رسول الله قالوا : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] بدل أن يقولوا : فاهدنا إليه . وبعد أنْ قالوا في القرآن أنه سحر ، وأنه أساطير الأولين … إلخ زهق باطلهم ، وكشف الله جحودهم ، حين حكى قولهم : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . إذن : فالقرآن لا غبارَ عليه وهو حق ، لولا أنه نزل على هذا الرجل بالذات ، ولو نزل على عظيم من عظماء مكة أو المدينة لآمنَّا به ، وهكذا أثبتوا إيمانهم بالقرآن ، والقرآن يستوجب أنْ يؤمنوا أيضاً بمحمد . ومعلوم أن الإسلام صاح صيحته الأولى في أُذن مَنْ ؟ في أذن كفار مكة وسادة قريش والجزيرة كلها ، وقد كانت لهم الكلمة المسموعة والمنزلة الرفيعة بين العرب جميعاً لقيامهم على خدمة الحجيج ، ووقوع بلادهم على طرق التجارة بين الشمال والجنوب . إذن : الإسلام لم يستضعف جماعة ليعلن فيهم صيحته الأولى ، إنما اختار السادة ، لكن الله تعالى لم يشأ أنْ ينتصر الإسلام في مكة لأنه لو انتصر فيها لكان من الممكن أن يقال : قوم من قريش تعصَّبوا لواحد منهم ليسودوا به العالم كما سادوا الجزيرة . لذلك لما أعلن سيدنا رسول الله دعوته بين قومه أسرعوا إليه يقولون : يا محمد إنْ كنتَ تريد مُلْكاً ملّكناك علينا ، وإنْ كنت تريد مالاً جمعنا لك المال حتى تصير أغنانا … فقال قولته المشهورة : " والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أنْ أترك هذا الأمر ما تركتُه حتى يُظهِره الله ، أو أهلك دونه " . فشاء الله أن تكون الصرخة الأولى في أذن السادة أصحاب الكلمة والسلطة في مكة ، وأن تكون نصرة الدين في المدينة ، لتعلم الدنيا كلها أن الإيمان بمحمد هو الذي خلق العصبية لمحمد ، وليست العصبية لمحمد هي التي خلقتْ الإيمان بمحمد . ونفهم أيضاً من قوله تعالى : { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ … } [ الأحزاب : 1 ] أن غير الكافرين وغير المنافقين لا يكون لهم أمر يُطاع مع أمر رسول الله لأن المؤمن برسول الله يتلقَّى من رسول الله . لذلك يُعَدُّ من الخطأ بمكان أن نقول : كيف فعل رسول الله كذا وكذا ؟ فنناقشه ونستدرك عليه صلى الله عليه وسلم ، وكيف تجعل من نفسك أيها المؤمن ميزاناً وحَكَماً يحكم على أفعال الرسول ويضعها في الميزان ؟ كمن يناقشون مثلاً مسألة تعدد الزوجات ، ويصل بهم الحدُّ إلى انتقاد رسول الله ، وكأنه يُجري له محاكمة . وكيف نعارض رسول الله في هذا ، والله تعالى لم يعارضه ، ولم يُقِلْه من مسألة الرسالة ، بل ارتضى الله فِعْل رسوله وباركه ، فلا تجعل من نفسك مقياساً على رسول الله لأن الأصل أنه هو المقياس الذي نقيس عليه أفعالنا ، فنسأل : أفعل رسول الله ذلك أم لم يفعل ؟ فإنْ فعل فعلنا . ومن هذا المنطلق سُمِّي الصِّديق صِدِّيقاً ، فلما حدَّثوه أن رسول الله يخبر أنه أتى بيت المقدس في ليلة قال : إنْ كان قال فقد صدق . والحق سبحانه حين ينهى رسوله عن طاعة الكافرين والمنافقين إنما يُبيِّن له طبيعتهم ، وحقيقة عدائهم له ، فهُمْ غير مخلصين له ، وعليه أن يتهم أمرهم إنْ أمروه ويتهم نهيهم إنْ نَهوْه ، وكيف يُخلِصون في أمره أو نهيه ، وقد جاء ليصادم سيادتهم ، ويكسر جبروتهم وكفرهم ؟ وهَبْهم مخلصين لك لأنك من قريش ، ويريدون نصرتك فينقصهم في نُصْحهم لك العلم والحكمة ، فلا يصح إذن أنْ تقارن بين طاعة الله وطاعة هؤلاء ، مهما كانوا مخلصين لك . كما نلحظ أن القوم فعلاً طلبوا من رسول الله أشياء ، فكأن الله نبهه قبل أنْ يطلبوا منه إلى ما يُطلب منه من مخالفتهم وعدم طاعتهم ، والطاعة فيها مطيع ومطاع ، وهم يريدون ان يكونوا مطاعين ، ورسول الله طائع ممتثل لأمرهم ، لكن كيف تقلب المسألة بهذا الشكل ، وما جاء رسول الله إلا ليُشرِّع للناس فيطيعوه ، فهو الذي يأمر ، وهو الذي يُطاع . فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهم : كيف أقارن بينكم وبين ربي ؟ وقد ثبت ذلك فقد جاء أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل والوليد بن المغيرة والأعور السلمي وانضم إليهم وفد ثقيف ، جاءوا جميعاً إلى المدينة واجتمعوا بعبد الله بن أُبيٍّ ، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح ، وقد أمَّنهم رسول الله فقالوا : يا محمد كُفَّ عن آلهتنا : اللات والعزى ومناة ، واشهد بأن شفاعتهم تُقبل عند الله ، ونريد أن تحفظ لنا كرامتنا ومهابتنا بين العرب ، فمتِّعنا بآلهتنا سنة وأقرنا على ذلك ، ونتركك وشأنك مع ربك . فنهاه الله { وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ … } [ الأحزاب : 1 ] لأنك لا ينبغي أن تتراجع أمامهم في شيء أبداً ، وإلاّ لكنتَ خاضعاً لهذه السيادة المزعومة ، ولأعطيتهم الفرصة حين تطاوعهم لأنْ يقولوا : لقد أطاعنا محمد فيصيرون هم الهادين ، وأنت المهدي . ثم إن هذا الأمر بعدم طاعتهم وهم القادة والصناديد وما زالت الدعوة وليدة تحتاج إلى مهادنة مع أعدائها ، وربما يقول قائل : ولِمَ لم يهادنهم رسول الله حتى يشتدَّ عود الدعوة ، فهم سادة القوم وأصحاب الكلمة والمهابة ؟ لكن منطق الحق يرفض هذه المهادنة ، ويرفض أن يعتمد رسول الله إلا على الله لذلك قال في الآية بعدها : { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [ الأحزاب : 3 ] . ثم يقول سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } [ الأحزاب : 1 ] فالعلم غير الحكمة ، العلم أن تعلم القضايا ، أمّا الحكمة فأنْ تُوظِّف هذه القضايا في أماكنها ، فالعلم وحده لا يكفي ، فالصفتان متلازمتان متكاملتان ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } [ القصص : 26 ] . فالقوي إنْ كان خائناً لم تنفعك قوته ، كذلك إنْ كان الأمين ضعيفاً فلا تنفعك أمانته لذلك لما اشتكى أمير المؤمنين إلى أحد خاصته من أهل العراق ، يقول : إن استعملتُ عليهم القوي يَفْجُروه ، وإن استعملتُ عليهم الضعيف يُهينَوه ، فقال له : إن استعملت عليهم القوي فلك قوته وعليه فجوره ، فقال له أمير المؤمنين : ما دُمْتَ قد عرفتََ هذا فلا أُوَلِّي عليهم غيرك . إذن : فالعلم يعطيك قضايا الخير كله ، والحكمة أنْ تضع الشيء في موضعه ، والقضية في مكانها . ثم يقول الحق سبحانه : { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ … } .