Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 23-23)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نزلت هذه الآية في جماعة من المؤمنين صادقي الإيمان ، إلا أنهم لم يشهدوا بدراً ولا أُحُداً ، ولكنهم عاهدوا الله إنْ جاءت معركة أخرى لَيُبَادِرُونَّ إليها ، ويبلُون فيها بلاءً حسناً . وورد أنها نزلت في أنس بن النضر ، فقد عاهد الله لما فاتته بدر لو جاءت مع المشركين حرب أخرى لَيبلونَّ فيها بلاء حسناً ، وفعلاً لما جاءت أُحُد أبلى فيها بلاءً حسناً حتى استشهد فيها ، فوجدوا في جسده نيِّفاً وثمانين طعنةً برمح ، وضربة بسيف ، وهذا معنى { صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ … } [ الأحزاب : 23 ] . وساعة تسمع كلمة { رِجَالٌ … } [ الأحزاب : 23 ] في القرآن ، فاعلم أن المقام مقام جدٍّ وثبات على الحق ، وفخر بعزائم صُلْبة لا تلين ، وقلوب رسخ فيها الإيمان رسوخ الجبال ، وهؤلاء الرجال وَفَّوا العهد الذي قطعوه أمام الله على أنفسهم ، بأنْ يبلُوا في سبيل نصرة الإسلام ، ولو يصل الأمر إلى الشهادة . وقوله تعالى : { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ … } [ الأحزاب : 23 ] قضى نحبه : أي أدَّى العهد ومات ، والنحب في الأصل هو النذر ، فالمراد : أدى ما نذره ، أو ما عاهد الله عليه من القتال ، ثم اسْتُعمِلَت النحب بمعنى الموت . لكن ، ما العلاقة بين النذر والموت ؟ قالوا : المعنى إذا نذرتَ فاجعل الحياةَ ثمناً للوفاء بهذا النذر ، وجاء هذا التعبير { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ … } [ الأحزاب : 23 ] لتعلم أن الموت يجب أن يكون منك نذراً . أي : انذر لله أنْ تموت ، لكن في نُصْرة الحق وفي سبيل الله ، فكأن المؤمن هو الذي ينذر نفسه وروحه لله ، وكأن الموت عنده مطلوب ليكون في سبيل الله . فالمؤمن حين يستصحب مسألة الموت ويستقرئها يرى أن جميع الخَلْق يموتون من لدُن آدم عليه السلام حتى الآن لذلك تهون عليه حياته ما دامت في سبيل الله ، فينذرها ويقدمها لله عن رضا ، ولِمَ لا وقد ضحيتَ بحياة ، مصيرها إلى زوال ، واشتريتَ بها حياة باقية خالدة مُنعَّمة . وقد ورد في الأثر : " ما رأيتُ يقيناً أشبه بالشك من يقين الناس بالموت " ومع أننا نرى الموت لا يُبقى على أحد فينا إلا أن كل إنسان في نفسه يتصور أنه لن يموت . وحَقٌّ للمؤمن أنْ ينذر نفسه ، وأنْ يضحي بها في سبيل الله لأن الله يقول : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 169 - 171 ] . وهذه الحياة التي عند الله حياة على الحقيقة ، لأن الرزق سِمة الحيِّ الذي يعيش ويأكل ويشرب . . إلخ ، وإياك أنْ تظن أنها حياة معنوية فحسب . وقد تسمع مَنْ يقول لك : هذا يعني أنني لو فتحتُ القبر على أحد الشهداء أجده حياً في قبره ؟ ونقول لمن يحب أنْ يجادل في هذه المسألة : الله تعالى قال : { أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ … } [ آل عمران : 169 ] ولم يقل : أحياء عندك ، فلا تحكم على هذه الحياة بقانونك أنت ، لا تنقل قانون الدنيا إلى قانون الآخرة . والمؤمن ينبغي أن يكون اعتقادة في الموت ، كما قال بعض العارفين : الموت سهم أُرسِل إليك بالفعل ، وعمرك بقدر سفره إليك . والقرآن حين يعالج هذه المسألة يقول تعالى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ … } [ الملك : 1 - 2 ] فقدَّم الموت على الحياة ، حتى لا نستقبل الحياة بغرور الحياة ، إنما نستقبلها مع نقيضها حتى لا نغترَّ بها . وقوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ … } [ الأحزاب : 23 ] أي : ينتظر الوفاء بعهده مع الله ، وكأن الله تعالى يقول : الخير فيكم يا أمة محمد باقٍ إلى يوم القيامة { وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } [ الأحزاب : 23 ] معنى التبديل هنا : أي ما تخاذلوا في شيء عاهدوا الله عليه ونذروه ، فما جاءت بعد ذلك حرب ، وتخاذل أحد منهم عنها ، ولا أُدخِل أحد منهم الحرب مواربة ورياء ، فقاتل من بعيد ، أو تراجع خوفاً من الموت ، بل كانوا في المعمعة حتى الشهادة . ثم يقول الحق سبحانه : { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ … } .