Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 43-43)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ … } [ الأحزاب : 43 ] الصلاة هي الدعاء ، والدعاء لا يكون إلا بطلب الخير للداعي ، ولا يدعو إلا قادر على هذا الخير ، وعليه كيف نفهم هذا المعنى ؟ أيدعو ربنا نفسه تبارك وتعالى ؟ قالوا : إذا كانت نهاية الصلاة طلبَ الخير ، وهذا الخير إذا طلب حصل ، فالحق سبحانه هو الداعي ، وهو الذي يملك مفاتح الخير كله ، فهو الذي يُصلِّي عليكم ، وهو الذي يعطيكم ، وهو الذي يرحمكم . وأيضاً يُصلِّي عليكم الملائكة { وَمَلاَئِكَتُهُ … } [ الأحزاب : 43 ] وقد أخبرنا سبحانه عنهم أنهم { عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 27 ] . وقال : { لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم : 6 ] . والملائكة أقسام : منهم المكلفون بخدمتنا ومنافعنا في الأرض ، ومنهم مَنْ يحفظنا من الأحداث التي قد تفاجئنا بإقدار الله لهم عليها ، ومنهم الحفظة والكرام الكاتبون ، وهؤلاء الملائكة المتعلقون بنا هم الذين أُمروا بالسجود لآدم عليه السلام في قوله تعالى : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [ الحجر : 29 ] . وهذا دليل على أنهم سيكونون في خدمته . وكأن الله تعالى قال لإبليس : طلبتُ منك أنْ تسجد لآدم ، وطلبت من الملائكة وأنت معهم ، فإنْ كنتَ من الملائكة فينبغي أن تستجيب ، وإنْ لم تكُنْ من الملائكة وحشرتك بطاعتك في زمرتهم كان يجب عليك أنْ تطيع لأن الأعلى منك سجد . وقد أوضحنا هذه المسألة بمثَل ، ولله تعالى المثل الأعلى قُلْنا : إذا أعلن في أحد الدواوين الحكومية أن الرئيس سيزور هذا الديوان يوم كذا ، وعلى الوزراء أنْ يصطفُّوا لتحيته ، ألم يشمل هذا الأمر وكلاء الوزارة من باب أَوْلى ؟ فإذا قال الله للملائكة : اسجدوا لآدم وكان معهم إبليس وهو أقلّ منهم ، فكان عليه أنْ يسجد . ثم إنْ كنتَ يا إبليسُ أخذتَ منزلة أعلى من الملائكة بالطاعة ، فلا بُدَّ أنْ تكون طاعتك لله على هذه المنزلة ، فأنت مَلُوم على أيِّ حال ، إلا أنه كان من الجن ، والجن مختار ، ففسق عن أمر ربه . وهناك نوع آخر من الملائكة لا دخلَ لهم بالإنسان ولا بدنياه ، وهم الملائكة العالون أو المهيَّمون ، وهم الذين قال الله فيهم لما أبى إبليس أنْ يسجد قال له ربه : { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } [ ص : 75 ] . وهؤلاء العالون لم يشملهم الأمر بالسجود لأنهم لا يدرون شيئاً عن آدم ، وليس لهم علاقة به ، وأخصُّهم حَمَلة العرش وهم أكرم الملائكة ، وهؤلاء هم الذين يُصلُّون عليكم بعد أنْ صلَّى الله عليكم لذلك يُبيِّن لنا الحق سبحانه هؤلاء الملائكة ودورهم في الصلاة علينا والاستغفار لنا ، فيقول سبحانه : { ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ غافر : 7 ] . فهؤلاء هم أخصُّ الملائكة وأكرمهم يُسبِّحون بحمد ربهم ويؤمنون به ، لكن ما فائدة يؤمنون به بعد أن سبَّحوه ؟ قالوا : لأن التسبيح قد يكون عن خوف ورهبة ، أما تسبيح هؤلاء فتسبيح عن حبٍّ وعن إيمان ، وأنه سبحانه وتعالى يستحق أنْ يُسبَّح ، ومن مهام هؤلاء أيضاً أنهم يستغفرون للذين آمنوا ، وإنْ لم تكن لهم علاقة بالناس وليسوا في خدمتهم ، إلا أنهم يُصَلُّون عليهم ويستغفرون لهم . إذن : نقول الصلاة من مالك الدعوة القادر على الإجابة رحمة وعطف وحنان ، والصلاة ممَّنْ دونه دعاء للقادر المالك للخير ، فهم يدعون الله للمؤمنين ويستغفرون الله لهم ، بل ويبالغون في الدعاء ويتعطَّفون فيه : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [ غافر : 7 ] . بل لم يقفوا عند حَدِّ طلب النجاة للمؤمنين من النار ، إنما يطلبون لهم الجنة { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ غافر : 8 ] . ثم يزيدون على ذلك : { وَقِهِمُ ٱلسَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [ غافر : 9 ] . ووالله ، لو أراد المؤمن أنْ يدعو لنفسه ما وجد أعمَّ ولا أشمل من دعاء الملائكة له ، فبعد أنْ طلبوا له المغفرة والنجاة من النار لم يتركوه هكذا في أهل الأعراف ، لا هُمْ في الجنة ، ولا هُمْ في النار ، إنما سألوا الله لهم الجنة عملاً بقوله تعالى : { فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ … } [ آل عمران : 185 ] . وهذه المسألة من المسائل التي وقف أمامها المستشرقون ، فقالوا : إنها تتناقض مع الحديث النبوي : " ما من يوم تطلع شمسه إلا وينادي ملكان يقول أحدهما : اللهم أَعْط مُنفقاً خَلَفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعْط مُمسكاً تَلَفاً " ، فكيف تقولون : إن الملائكة يدعون للناس بالخير وهم يدعون عليهم بالشر ؟ وهم معذورون في اعتراضهم لأن ملكاتهم لا تستطيع فَهْم المعاني في الحديث الشريف ، والتناقض في نظرهم في قوله صلى الله عليه وسلم : " ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً " ، فالأولى واضحة لا تناقض فيها لأنها دعوة بالخير ، أما الثانية فهي دعوة بالشر . " اللهم أعْط ممسكاً تلفاً " . ولو تأملوا نصَّ هذه العبارة لوجدوا فيها الجواب ، فالتلف يُعطى أم يؤخذ ؟ المفروض أنه يُؤخذ ، فحين يقول رسول الله : " اللهم أعط ممسكاً تلفاً " فاعلم أنه عطاء لا أَخْذٌ وإن كان في ظاهره تلفاً ، والمعنى أن شيئاً شغلك وفتنك فتصيبك فيه مصيبة تخلصك منه فتعود إلى ربك ، إذن : هو أَخْذ في الظاهر عطاء في الحقيقة . ثم يبيّن لنا الحق سبحانه العلَّة في صلاة الله وصلاة الملائكة على المؤمنين ، فيقول { لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ … } [ الأحزاب : 43 ] فكأن منهج الله بافعل ولا تفعل هو أول صلاة الله علينا لأنه الوسيلة التي تُخرجنا من الظلمات إلى النور ، وجاء هنا بالشيء الحسِّيِّ لنقيس عليه المعنوي ، فأنت في النور ترى طريقك وتهتدي إلى غايتك بلا معاطب ، أمَّا في الظلام فتتخبط خُطَاك وتضلّ الطريق في الظلام ، تسير على غير هُدى ، وعلى غير بصيرة ، فتحطم الأضعف منك ، ويُحطِّمك الأقوى منك . والنبي صلى الله عليه وسلم يُوجِّهنا حين ننام بالليل أنْ نطفىء المصابيح فيقول : " وأطفئوا المصابيح إذا رقدتم " وقد أثبت العلم أن للأنوار المضاءة أثناء النوم تأثيراً ضاراً على صحة الإنسان ، وأنه لا يرتاح في الضوء الراحة التامة لما يصيبه أثناء النوم من إشعاع الضوء ، كما حذرونا أيضاً من التعرُّض لأضواء التليفزيون مثلاً . إذن : للنور مهمة ، وللظلمة مهمة - هذا في الحسِّيات . كذلك منهج الله بافعل ولا تفعل هو النور المعنوي الذي يقيك العطب ، ويمنحك الإشراقات التي تهتدي بها في دروب الحياة ، لذلك قال تعالى بعدها : { وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [ الأحزاب : 43 ] . لكن إنْ كان سبحانه رحيماً بالمؤمنين ، فما بال الكافرين ؟ قالوا : هو سبحانه بالكافرين رحمن ، فالله تعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة لأن رحمن الدنيا يعني أن خيره يعُمُّ الجميع المؤمن والكافر ، والطائع والعاصي ، أما في الآخرة فتتجلَّى صفة الرحيم لأن رحمته في الآخرة تخصُّ المؤمنين دون غيرهم . والحق سبحانه حين يقول : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ النور : 35 ] لا يعني هذا وَصْفاً لذاته سبحانه ، إنما يعني أنه سبحانه نور السماوات والأرض أي : مُنوِّرهما كما نقول : المصباح نور المسجد . وسبق أنْ أوضحنا هذه المسألة بقول أبي تمام في مدح المعتصم : @ إقْدَامُ عَمروٍ في سَمَاحةِ حاتم في حِلْم أحنْفَ في ذَكَاءِ إيَاسِ @@ وعمرو مضرب المثل عند العرب في الشجاعة ، وحاتم في الكرم ، وأحنف بن قيس في الحِلْم ، وإياس بن معاوية في الذكاء ، فقام إليه أحد الحاضرين وقال له - وكان حاقداً عليه - : أمير المؤمنين فوق ما تقول ، أتُشبِّهه بأجلاف العرب ؟ وأنشأ يقول : @ وشبَّهه المدَّاح في البَأسِ والنَّدَى بمَنْ لوْ رآهُ كَانَ أصْغر خَادِمِ فََفِي جَيْشهِ خَمْسونَ ألْفاً كعنْتر وفي خُزَّانِهِ أَلْفُ حَاتِمِ @@ عندها أطرق أبو تمام هُنيهة ، ثم قال : @ لاَ تُنكِرُوا ضَرْبي له مَنْ دُونَهُ مَثَلاً شَرُوداً في النَّدَى والبَاسِ فَاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلّ لِنُورِهِ مثَلاً من المشْكاةِ والنِّبراسِ @@ إذن : فالنور المعنوي يُجنّبك العطب المعنوي ، كما أن النور الحسيَّ يُجنِّبك العطب الحسِّيَّ لذلك قال سبحانه عن نوره { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ … } [ النور : 35 ] يعني : نور حِسّيّ يقيكم المعاطب الحسية ، ونور معنوي يقيكم المعاطب المعنوية { يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ … } [ النور : 35 ] والمراد به هنا النور المعنوي الذي يهتدي به المؤمن ويسير عليه ، أما الكافر فهو لا يعرف إلا النور الحسيَّ فقط . فإنْ سألت : فأين نجد هذا النور يا رب ؟ يُجيبك ربك : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ … } [ النور : 36 - 37 ] . فإنْ أردتَ النور الحق فهو في خَلْوتك مع ربك وفي بيته ، حيث تتجلَّى عليك إشراقاته ويغمرك نوره . وقبل أن نترك مسألة صلاة الله وصلاة الملائكة على المؤمنين نذكر صلاتنا نحن على النبي صلى الله عليه وسلم ، عملاً بقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [ الأحزاب : 56 ] . فالصلاة من الله تعالى تعني الحنان والرحمة والعطف ، والصلاة من الملائكة تعني الدعاء والطلب من الذي يملك ، أما الصلاة منا نحن على سيدنا رسول الله ، فلبعض يظن أنها دعاء منا لرسول الله ، وهي ليست كذلك لأنك تقول في الصلاة على رسول الله : اللهم صَلِّ على محمد ، فأنت لا تصلي عليه صلى الله عليه وسلم ، إنما تطلب من الله تعالى أنْ يصلي عليه ، لكن كيف تطلب من الله أن يصلي على رسوله ؟ قالوا : لأن كل خير ينال الرسول منثور على أمته . والحق سبحانه وتعالى لم يدع محمداً يصلي عليه كل مَنْ آمن به ، ثم لا يرد رسول الله عليه هذه التحية بصلاة مثلها ، فقال سبحانه : { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ … } [ التوبة : 103 ] وكأنها رَدٌّ للتحية ولصلاة المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم يقول الحق سبحانه : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ … } .