Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 44-44)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الكلام هنا عن الآخرة ، وهذه التحية ، وهذا السلام ليس منا ، ولكن من الله ، كما قال في موضع آخر { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] . فالرحمة التي ننالها ، والعطف والحنان من الله لنا في الدنيا يعني : سداداً في حركة الحياة ، واستقامة في السلوك ، وراحةً للبال ، واطمئناناً للنفس ، لكن مع هذا لا تخلو الدنيا من مُنغِّصات وأحداث تُصيبك ، أما رحمة الله في الآخرة فهي سلام تام لا يُنغِّصه شيء ، والإنسان أيضاً يتمتع بنعم الله في الدنيا ، لكن يُنغِّصها عليه خشية فواتها . أما في الآخرة فيتمتع متعة خالصة ، لا ينغصها شيء ، فالنعمة دائمة باقية لا يفوتها ولا تفوته ، لقد كان في الدنيا في عالم الأسباب وهو الآن في الآخرة مع المسبِّب سبحانه الذي يقول : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] . لكن ، ما المراد بقوله تعالى : { يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ … } [ الأحزاب : 44 ] أيوم القيامة للثواب ، أَمْ يوم يلقوْنَهُ بالموت وبانتهاء الحياة ، كما نقول مثلاً في الموت : فلان لقي ربه ؟ قالوا : المؤمن لا يأتيه مَلَك الموت إلا إذا سلَّم عليه أولاً قبل أن يقبض روحه ، فإذا سلم عليه فهذا يعني أنه من أهل السلام ، وهذه أول مراتبه . وقد يكون المراد السلام التام الذي يَلْقاه المؤمن يوم القيامة حيث يجد سلاماً لا مُنغِّصات بعده . لذلك نجد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعاني سكرات الموت تقول له السيدة فاطمة لما رأتْ ما يعانيه : واكرباه يا أبتاه ، فيقول لها " لا كرب على أبيك بعد اليوم " فأيُّ كرب على رسول الله بعد أن ينتقل إلى جوار ربه ، إلى السلام النهائي الذي لا خوفَ بعده . ثم يقول سبحانه : { وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } [ الأحزاب : 44 ] فوصف الأجر نفسه بأنه كريم ، والذي يُوصَف بالكرم الذي أعدَّ الأجر ، فوصف الأجر بأنه كريم يعني أن الكرم تعدَّى من الرب سبحانه الذي أعده إلى الأجر نفسه ، حتى صار هو أيضاً كريماً . ومثال ذلك قوله تعالى : { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } [ الأحزاب : 31 ] فتعدَّى الكرم من الرازق إلى الرزق لأن الرزق في الدنيا له أسباب بأيدي الخَلْق ، لكن الرزق في الآخرة يأتيك بلا أسباب ، وليس لأحد فيه شيء ، ولماذ لا يُوصَف بالكرم وهو يأتيك دون سَعْي منك ، وبمجرد الخاطر تستدعيه فتراه بين يديك . ثم يقول الحق سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ … } .