Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 51-51)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ … } [ الأحزاب : 51 ] أي : تؤخر مَنْ تشاء من زوجاتك عن ليلتها { وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ … } [ الأحزاب : 51 ] أي : تضم إليك ، وتضاجع مَنْ تشاء منهن { وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ … } [ الأحزاب : 51 ] من طلبتَ من زوجاتك وقرَّبت { مِمَّنْ عَزَلْتَ … } [ الأحزاب : 51 ] أي : اجتنبتَ بالإرجاء والتأخير { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ … } [ الأحزاب : 51 ] أي : لا إثم ولا حرج . { ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ … } [ الأحزاب : 51 ] أي : أنهُنَّ جميعاً سيفرَحْنَ ، التي تضمها إليك ، والتي تُرجئها وتؤخرها ، وسوف يرضيْنَ بذلك لأنهن يعلَمنَ أن مشيئتك في ذلك بأمر الله ، فالتي ضمها رسول الله إليه تفرح بحب رسول الله ولقائه ، والتي أُخِّرَتْ تفرح لأن رسول الله أبقى عليها ، ثم عاد إليها مرة أخرى وضمَّها إليه وقرَّبها ، وهذا يدل على أن لها دوراً ومنزلة ، وأيضاً حين يكون ذلك من تشريع رب محمد لمحمد ، فإنه لا يعني أنه كرهها أو زهد فيها ، فإنْ فعلْتَ ذلك يا محمد - مع أن فيه مشقة - فإنما فعلْتَه طاعة لأمر مَنْ ؟ لأمر الله ، فتأخذ ثواب الله عليه . وحين نتأمل كلمة { تَقَرَّ … } [ الأحزاب : 51 ] تجد أنها كعامة كلمات القرآن كالألماس ، لكل ذرة تكوينية فيه بريق خاص وإشعاع لذلك يقولون عنه : دا بيلالي ومع كثرة بريقه لا يطمس شعاعٌ فيه شعاعاً آخر ، كذلك كلمات القرآن . قرَّ وردتْ كثيراً في القرآن كما في { قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ … } [ القصص : 9 ] . كلمة قرَّ معناها سكن ، نقول : قَرَّ بالمكان أي : استقر فيه وسكن ، والقرّ هو البرد ، وقُرَّة العين تأتي بالمعنيين ، فالعين تسكن عند شيء ما ، ولا تنتقل إلى غيره إنْ كان جميلاً يأسرها فلا تفارقه ، يقولون : فلان قيْد النظر . وفي المقابل يقولون : فلان عينه زائغة يعني : لا تستقر على شيء أو عينه دشْعَة عند إخواننا الذين ينطقون الجيم دالاً مثل دِرْدَة يقصدون جرجاً ، والعين الجشعة بنفس المعنى ، وفي المعنى السياسي يقولون : فلان له تطلُّعات يعني : كلما وصل إلى منصب نظر إلى الأعلى منه . أما القُرُّ بمعنى البرودة ، فَقُرَّة العين تعني : برودتها ، وهي كناية عن سرورها لأن العين لا تسخُن إلا في الحزن والألم لذلك ثبت أخيراً أن حبة العين ترمومتر دقيق لحالة الجسم كله ، وميزان لصحته أو مرضه . ولأهمية العين نقول في التوكيد : جاءني فلان عينه ، وسبق أن تحدثنا عن ظاهرة الاستطراق الحراري في جسم الإنسان وقلنا : إن من المعجزات في تكوين الإنسان أن الاستطراق الحراري في جسمه يتم بنظام خاص ، بحيث يحتفظ كل عضو في الجسم بحرارة تناسبه ، فإن كانت حرارة الجسم العامة والمثالية 37 - ومن العجيب أنها كذلك عند سكان القطب الشمالي ، وهي كذلك عند سكان خط الاستواء - فإن حرارة الكبد مثلاً لا تقل عن 40 مئوية ، أما العين فإذا زادت حرارتها عن عشر درجات تنفجر . إذن : فقُرَّة عَيْن زوجات النبي وسُرورهن في مشيئته ، حين يُقرِّب إليه مَنْ يُقرِّب ، أو يؤخر من يؤخر لأن مشيئته نابعة من أمر الله له . وقوله تعالى : { وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ … } [ الأحزاب : 51 ] أي : في أيِّ الحالات ، ثم جاء قوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } [ الأحزاب : 51 ] ليشير إلى أن الرضا هنا ليس هو رضا القوالب ، إنما يراد رضا القلب بتنفيذ أوامر الله دون أنْ يكون في النفوس دخائل أو اعتراض . فالله سبحانه { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً … } [ الأحزاب : 51 ] يعلم ما في القلوب { حَلِيماً } [ الأحزاب : 51 ] لا يجازيكم على ما يعلم من قلوبكم ، ولو جازاكم على قَدْر ما يعلم لأتعبكم ذلك . وتأمل حِلْم الله علينا ورحمته بنا في مسألة البدء ببسم الله ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا أن كل عمل لا يبدأ ببسم الله فهو أبتر أي : مقطوع البركة ، فالإنسان حين يبدأ في الفعل لا يفعله بقدرته عليه ، ولكن بتسخير مَنْ خلقه له ، فحين تقول : بسم الله أفعل كذا وكذا ، فإنك تفعل باسم الذي سخَّر لك هذا الشيء . لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [ الزخرف : 12 - 13 ] . فعليك أنْ تبدأ ببسم الله حتى إنْ كنتَ عاصياً لله ، إياك أن تظنَّ أنك لسْتَ أهلاً لهذه الكلمة لأن ربك حليم ، ورحمن رحيم . ثم يقول الحق سبحانه : { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ … } .