Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 64-65)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لعنهم يعني : طردهم من رحمته تعالى ، وأبعدهم أي : في الدنيا { وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً } [ الأحزاب : 64 ] يعني ناراً تستعر وتتأجج وتتوهج ، وهذا في الآخرة في اليوم الذي قال الله فيه : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] . وهذه النار المتأججة باقية دائمة لا تنتهي { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً … } [ الأحزاب : 65 ] وسمعنا بعض العلماء يقولون عن الأبدية أنها ذُكِرَتْ في كل الآيات التي تحدثتْ عن نعيم الجنة ، لكنها لم تُذْكر في عذاب الكفار يوم القيامة . وصاحب هذا القول لم يستقرئ كتاب الله جيداً ، فقد ذُكِر هذا اللفظ : { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً … } [ الأحزاب : 65 ] في موضعين : أحدهما هذا الذي نحن بصدده ، والآخر في سورة الجن في قوله سبحانه : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } [ الجن : 23 ] . وهذا مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده أن يأتي لفظ التأبيد في كل آيات الجنة ، ولا يأتي إلا في موضعين لأهل النار ، ذلك لأن رحمة الله سبقتْ غضبه ، فاقتضى ذلك أن يُبشِّر المؤمنين بتأبيد النعيم ودوامه . أما في جزاء الكافرين ، فيقول : { خَالِدِينَ فِيهَآ … } [ الأحزاب : 65 ] ولا يذكر لفظ التأبيد ، لعل ذلك يحنِّن قلوب هؤلاء ، ويعطفهم إلى طريق الله الرحيم بهم . وذكر لفظ التأبيد في هاتين الآيتين ليحقق المبدأ ويُقرِّره فحسْب ، ومن رحمته تعالى أن تسبق رحمته في البشارة ، وتتلطف بالنذارة . فهذه الحكمة الإلهية مقصودة ، وكانت تُؤتي ثمارها المرجوة . فكانت باباً لإيمان الكثيرين من الكفار ، وسبق أنْ ذكرنا قصة سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لما جاءه ضيف وطرق بابه ، فسأله عن دينه ، فلما عَلِم أنه غير مؤمن أغلق الباب في وجهه ، فانصرف الرجل ، لكن سرعان ما عاتب الله تعالى نبيه إبراهيم في ذلك وقال له : يا إبراهيم ، لقد وَسِعْتُه طوال حياته في مُلكي وهو كافر بي ، أتريد أن يُغيِّر دينه في ليلة تستضيفه فيها . فهرول إبراهيم - عليه السلام - حتى لحق بالرجل ، وأعاده إلى ضيافته ، فقال الرجل : ألم تردَّني عن بابك منذ قليل ؟ قال : بلى ، ولكن عاتبني ربي فيك ، فقال : نِعْم الربُّ رَبٌّ يعاتب أولياءه في أعدائه ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . وهم في خلودهم في النار { لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [ الأحزاب : 65 ] أي : مالكاً يتولَّى أمرهم { وَلاَ نَصِيراً } [ الأحزاب : 65 ] ينصرهم أو يدافع عنهم .