Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 66-66)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أن ذكر الحق سبحانه الأبدية التي ستكون للكفار في النار يذكر وَصْفاً للحالة التي سيكونون عليها في النار { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ … } [ الأحزاب : 66 ] التقليب معناه تغيير الأمر وتصريفه من حال إلى حال ، ومنه قوله تعالى : { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } [ آل عمران : 196 - 197 ] . يعني : أسفارهم ونشاطهم في حركة التجارة بين الشام واليمن ، وما يترتب على هذه الحركة من أموال وثروات . فقوله : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ … } [ الأحزاب : 66 ] أي : تقلِّبهم الملائكة ، فكلما نضج جانب قلبوهم على الجانب الآخر كما تُقلِّب نحن سيخ الكباب على النار لتستوعبه كله ، فيتم نُضْجه . وخَصَّ الوجه ، لأنه سِمَة الإعلام بالشخص ، وأشرفُ أعضائه وأكرمها ، ومنه أُخذت الوجَاهة والوجيه ، وكلها تدل على الشرف ، ونظراً لأنه أشرف الجوارح ، فالجوارح كلها تحميه وتدافع عنه ، وسبق أنْ قُلْنا : لو أن سيارة أسرعتْ بجوارك ، ولطختْ ثيابك ووجهك بالوحل مثلاً ، ماذا تفعل ؟ أولاً : تنشغل بوجهك وتزيل ما أصابه من أذىً ، ثم تلتفت إلى ثيابك . ولتعلم أهمية الوجه ومنزلته ، اقرأ قوله تعالى : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ … } [ الزمر : 24 ] فمِنْ شِدَّة العذاب يتقيه بوجهه الذي هو أشرف أعضائه . أو : أن معنى التقليب من عذاب إلى عذاب ، وقد أعطانا الحق سبحانه صوراً متعددة لوجوه الكافرين في النار ، والعياذ بالله ، فقال مَرَّةً : { تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ … } [ الزمر : 60 ] . وقال : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ } [ عبس : 40 - 42 ] . وقال : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [ القيامة : 24 - 25 ] . فالوجه هنا لا يأخذ صورة واحدة ، إنما يأخذ ألواناً متعددة وأحوالاً شتى ، تدلُّ على تنوع ما يتعرضون له من العذاب والإيلام ، والوجه هو الدليل الأول على صاحبه ، والمترجم عَمَّا بداخِله ، فحين يتغير لك صاحبك مثلاً تلحظ ذلك على وجهه ، فتقول : ما لك تغيَّر وجهك من ناحيتي ؟ أو لماذا تقلَّب وجهُكَ عني ؟ وهؤلاء حالَ تقلُّب وجوههم في النار ، يقولون : { يٰلَيْتَنَآ أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ } [ الأحزاب : 66 ] وهم الذين كانوا بالأمس يُؤذون الله ، ويؤذون الرسول ، ويؤذون المؤمنين . كلمة { يٰلَيْتَنَآ … } [ الأحزاب : 66 ] كلمة تمنُّ ، وهو لَوْن من الطلب تتعلق به النفس وتريده ، لكن هيهات ، فهو عادةً يأتي في المُحَال ، وفي غير الممكن ، كما جاء في قول الشاعر : @ ألاَ ليْتَ الشباب يَعُودُ يَوْماً فَأُخبرهُ بما فَعل المشِيبُ @@ وقول الآخر : @ لَيْتَ الكَواكِب تَدْنُو لِي فَأَنظِمُهَا عُقُودَ مَدْحٍ فَمَا أَرْضَى لكُمْ كَلمى @@ فالشباب لا يعود ، والكواكب لا تدنو لأحد ، لكنها أُمنية النفس ، كذلك هؤلاء يتمنَّوْنَ أنْ لو كانوا أطاعوا الله وأطاعوا رسول الله ، لكن هيهات أنْ يُجْدِي ذلك ، فقد فات الأوان . ثم يذكر الحق سبحانه المقابل ، فهم ما أطاعوا الله وما أطاعوا رسول الله ، لكن حجتهم : { وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا … } .