Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال العلماء : يُشترط للشفاعة شرط في المشفوع له أن يكون من أهل التوحيد ، وشرط في الشافع أن يُؤذن له بالشفاعة ، كما قال تعالى : { مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ … } [ البقرة : 255 ] فلا يقوم الشافع فيشفع مباشرة ، إنما ينتظر أنْ يُؤذَن له بها ، وهنا يضطرب المشفوع له ويفزع ، ويكون قلقاً ، يا ترى أيُؤذن للشافع ؟ أم تُرَد شفاعته ؟ لذلك يقول تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ … } [ سبأ : 23 ] يعني : أُزيل عنها الفزع . فالتضعيف في فُزِّع أفاد إزالة الحدث المأخوذ منه الفعل ، كما نقول مرَّضه يعني : أزال مرضه و قشَّر البرتقالة يعني : أزال قِشرتها … إلخ . { قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ … } [ سبأ : 23 ] أي : قال القول الحق ، وأذِن بالشفاعة لمن ارتضى . وقال تعالى : { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ … } [ سبأ : 23 ] ولم يقُلْ تُقبل الشفاعة لأن هدف الشافع أن تنفع الشفاعةُ المشفوعَ له ، فإذا ما ذهب ليشفع له قال له المشفوع عنده : أنا لا أرضى أنْ تشفع للمشفوع له ، فالذي انتفى نَفْع الشفاعة لا قبولها ، ففَرْق بين أنْ توجد الشفاعة ، وبين أنْ تنفع الشفاعة . وفي سورة البقرة آيتان في الشفاعة صدرهما واحد ، لكن العَجُز مختلف ، ففي الأولى : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } [ البقرة : 48 ] . والأخرى : { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ البقرة : 123 ] . وهاتان الآيتان من المواضع التي وقف أمامها المستشرقون ، وظنوا فيها مأخذاً على كلام الله ، فالمعنى واحد حتى اللفظ هو هو ، لكن في الأولى قدَّم { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ … } [ البقرة : 48 ] وفي الأخرى قدَّم { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ … } [ البقرة : 123 ] وفي الأولى قال { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [ البقرة : 48 ] . وهذا الاعتراض منهم نتيجة عدم الفهم عن الله ، فالآيتان تتحدثان في الشفاعة عن نَفْسين . الأولى : النفس الشافعة . والأخرى : النفس المشفوع لها ، الشافع له موقف مع الله ، والمشفوع له ، له موقف قبل ذلك لأنه لم يأتِ بالشافع إلا لأنه لم يقدر على إنهاء المسألة بنفسه ، فالضمير يعود في الآية الأولى على الشافع ، وفي الأخرى على المشفوع له ، كيف ؟ المعنى هنا : لا تجزي نفسٌ شافعة عن نفس مشفوع لها ، النفس الشافعة هي التي يُقبل منها الشفاعة ، والنفس المشفوع لها هي التي تنفعها الشفاعة ، إذن : الآية الأولى تخصُّ الشافع لأنه يذهب ليشفع فلا يُقبل منه ، فيعرض أنْ يدفع هو العدل ، ويكون كفيلاً فيما على المشفوع له ، فلا يُقبل منه أيضاً . أما الآية الأخرى فهي في المشفوع له لأنه يعرض أن يدفع ما عليه أولاً فلا يُقبَل منه عدل ، فيبحث عمَّنْ يشفع له . وسُمِّيت شفاعة لأن الشَّفْع يقابل الوتر ، وصاحب الحاجة الذي يطلب الشفاعة واحد ، فإذا انضم إليه الشافع ، فهما اثنان يعني : شفع . ثم يقول سبحانه في ختام الآية : { وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } [ سبأ : 23 ] عليٌّ أن يُناقَش في أي قرار يتخذه ، وكبير يعني أكبر من الشافع ، وأكبر من المشفوع له . فالحق سبحانه قال الحقُّ ونطق به ، وهذا يعني أنه وقف بجانب الحق ، فلم يعبأ بشافع مهما كانت منزلته ، ولا بمشفوع له مهما كانت ذِلَّته ورِقَّته لأنه سبحانه هو العليُّ الكبير . وبعد ذلك يعود الحق سبحانه إلى مناقشة المسألة مناقشة عقلية ، فيقول : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ … } .