Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 31-31)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولهم { لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ … } [ سبأ : 31 ] يدل على لجلجتهم ، ففي موضع آخر حكى القرآن عنهم قولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ومعنى هذا أن القرآن لا غُبارَ عليه ولا اعتراضَ ، الاعتراض على مَنْ نزل عليه القرآن ، كذلك من الغباء قولهم : { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ … } [ القصص : 57 ] فاعترفوا أنه جاء بالهدى . ومثله قولهم : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ … } [ المنافقون : 7 ] . صحيح ، الباطل لجلج ، يتخبط هنا وهناك في تفكير مُشوّش ليس له سِيال واحد ، وهذا التخبط يكشف ما هم عليه من الباطل ، وقلنا : إن المحقق الماهر هو الذي يصل إلى الحقيقة من خلال مناقشة المتهم مناقشة تُوقعه دون أن يدري ، ذلك لأن المتكلم بالحق يحكي واقعاً على هيئة واحدة ، فمهما أعدْتَ عليه السؤال يُجِب إجابة واحدة . أمّا الكاذب فلا يحكي واقعاً ، إنما يحكي كذباً واختلاقاً لا بُدَّ أن ينتهي بتضارب في أقواله ، كالكذاب الذي جاء يحكي للناس يقول : رجعت من البندر ليلة العيد الصغير ، وكانت الدنيا قمر ظهر . وقديماً ، قال العربي : إنْ كنتَ كذوباً فكُنْ ذكوراً . يعني : تذكر ما سبق أنْ قُلْته ، ذلك لأنه لا يستند إلى واقع . ومعنى { وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ … } [ سبأ : 31 ] يعني : الكتب السابقة على القرآن كالتوراة والإنجيل . بعد أن قالوا هذا الكلام أراد الحق سبحانه أن يُفظع الرد عليهم فقال : { وَلَوْ تَرَىٰ … } [ سبأ : 31 ] يعني : يا محمد { إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ … } [ سبأ : 31 ] يعني : بين يدي الله ، ينتظرون الفصل والحساب . تعلمون أن لَوْ أداة شرط تحتاج إلى جواب ، هذا الجواب حُذِف من سياق الآية ليدلَّ على التهويل والتفظيع . وتقديره : ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم … لرأيتَ أمراً عظيماً ، وهذا الأسلوب تذهب فيه النفس كلَّ مذهب ، ونتصور ألوان العذاب والذلة التي يعانيها الكفار في هذا الموقف بين يدي الله عز وجل ، فحَذْف الجواب هنا أبلغ من ذِكره . كنا نرى زمان الرجل الظالم أو المتجبر أو البلطجي الذي يجلس طوال النهار على القهوة ، والناس تخدمه ، وتقضي له حاجته اتقاء شره ، لكن ساعة يقع في أيدي العدالة وتأخذه الشرطة ، وأنتم تعلمون ما تفعله الشرطة بالمجرمين ، ساعتها يفرح الناس فيه ويتندَّرون به : لو رأيتم ما حدث لفلان ؟ يعنى : حدث له أمر عظيم يناقض جبروته الذي كان يمارسه على الناس ويكسر شوكته . إذن : حُذِف الجواب لنأخذه نحن على المحمل المخيف لأنه لو حكى واقعاً لجاء على لون واحد وهيئة واحدة . لذلك وقف المستشرقون معترضين على قوله تعالى في وصف شجرة الزقوم : { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 65 ] يقولون : نحن لم نر شجرة الزقوم ، ولم نَرَ رؤوس الشياطين ، فكيف يُشبِّه القرآن مجهولاً بمجهول ؟ نعم ، ينبغي في التشبيه أنْ تُشبِّه المجهول بالمعلوم ، والخفي بالجلي ، لكن هؤلاء يحاولون تصيُّد أخطاء أو مآخذ على كتاب الله ، وهيهات لهم ذلك ، وكل اعتراضاتهم على كلام الله تأتي من عدم فَهْم للآيات وعدم وجود المَلَكة العربية وعدم الإلمام بلغة القرآن وأساليب العرب ، فهذا النهج في التشبيه نهجه العربي القديم حين قال : @ أَيَقْتُلِني والمشْرَفيُّ مُضِاجِعي ومَسنُونة زُرْق كأنيابِ أَغْوالِ @@ هكذا رأى العربى القديم أن أسِنَّة الرماح كأنياب الأغوال ، فهل رأى أحد الغول ؟ إذن : القرآن عربي ، وخاطب العربَ بأساليبهم ، فيكفي لتبشيع الصورة أن تحاول أنت أنْ تتخيل صورة الغول أو صورة الشيطان لتذهب نفسُك في بشاعتها مذاهب شتَّى مخيفة مُفْزعة ، بدليل أننا إذا قلنا لرسامي الكاريكاتير في العالم كله : ارسموا لنا صورة الشيطان ، فسوف يرميها كل واحد منهم حَسْب رؤيته هو ، وستأتي صورة مختلفة بعضها عن بعض لأن أحداً منهم لم يَرَ الشيطان ، إنما تخيَّله . تُرَى ، لو حدد القرآن شكل شجرة الزقوم وقال لك : إنها مثل كذا وكذا ، أيعطيك هذا التشبيه بشاعة أكثر مما أعطتْكَ رؤوس الشياطين ؟ هكذا ربَّبَ الحق سبحانه هذا المعنى . ثم تستمر الآية في وصف موقف هؤلاء الظالمين بين يد الله تعالى ، ويا ليتها تنتهي عند الذلة والانكسار ، إنما { يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ٱلْقَوْلَ } [ سبأ : 31 ] يعني : يتجادلون ويتناقشون ، يرمي كل منهم باللائمة على الآخر ، ومعنى يرجع من المراجعة ، فواحد يقول ، والآخر يردُّ كلامه ويُنكِره ، وفي القرآن مواضع كثيرة تحكى هذه المراجعة بين الأتباع والمتبوعين ، وهنا نموذج منها : { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } [ سبأ : 31 ] يعني : الضعفاء والمقلدين { لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } [ سبأ : 31 ] وهم السادة الكبار المتبوعون { لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [ سبأ : 31 ] فيكفي من عظمة القيامة أنْ يقف المستضعف أمام القوي ويراجعه ويواجهه - مع أن كلاهما خائب خاسر - ذلك لأن الضعف كان في الدنيا والاستكبار والتبعية ، أما الآن وفي ساحة الحساب فقد تساوتْ الرؤوس ، وها هم الضعفاء يقولون لأسيادهم { لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [ سبأ : 31 ] . وما دامت المسألة مراجعة ، كُلٌّ يُرجِع إلى الآخر قوله ، فلا بُدَّ أنْ يرد الذين استكبروا ، وأنْ يراجعوا الذين استُضْعِفوا . ثم يقول الحق سبحانه : { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُوۤاْ أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ … } .