Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 29-30)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المتأمل في كتاب الله يجد الحق - سبحانه وتعالى - لم يجعل القرآن أبواباً منفصلة ، هذا للصلاة ، وهذا للزكاة ، وهذا للربا … إلخ إنما يخلط هذه الأحكام في نسق رائع ، ومزيج مشوِّق ، يراوح بين الأساليب ، فلا يملُّ منه قارئه ، ولا يزهد . القرآن ليس كتابَ قانون ، يُفرد فصلاً لكل جريمة ، إنما يتناول الجريمة بأسلوب فريد ، فيذكر الجريمة ويُفظِّعها ويبين أثرها ، حتى إذا ما قرر العقوبة عليها تجد هذه العقوبة طبيعية تتقبلها النفوس لأن صاحب العقوبة يستحقها . يقول تعالى حكاية عن الكافرين : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ … } [ سبأ : 29 ] والوعد لا يكون إلا بالخير ، والوعيد يكون بالشر ، وعجيب أنْ يسمى الكفار القيامة وَعْداً ، فكان ينبغي أنْ يقولوا متى هذا الوعيد ، أو : أن الله تعالى لوى ألسنتهم ليقولوا كلمة الحق ، فهو بالفعل وَعْد حق من الله ، وإنْ كان في حقهم وعيداً . والوعد من الله فيه أشياء كثيرة ، خاتمته البعث والحساب ، ثم الجنة أو النار . لكن هل وَعْد الله لا يتحقق إلا في الآخرة ؟ قالوا : لا بل يروْنَ شيئاً منه في الدنيا ، وإلا لو تركهم الله سالمين إلى أنْ يعاقبهم في الآخرة لاستشرى فسادهم ، ولعَربد غير المؤمنين دون رادع لهم . لذلك من حكمته تعالى أن يُعجِّل لهم شيئاً من وعده ، فيروْنَه في الدنيا ، كما قال تعالى : { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [ القمر : 45 ] وفعلاً ، جاء يوم بدر وهزمهم الله ، وقُتِل منهم مَنْ قُتِل ، وأُسِر منهم مَنْ أُسِر ، فكما صدقت فيهم المقدمات ، فسوف تصدق المتواليات في الآخرة . لذلك يخاطب الحق نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] . فمَنْ لم يتحقق فيه وَعْد الله في الدنيا وتشاهده بعينيك ، فموعده الآخرة ، وإلا فهناك من الكفار مَنْ مات قبل بدر ، ولم يشهدوا انتصارات المسلمين وفتوحاتهم ، ولم ينَلْهم شيء من عقاب الدنيا . وقولهم : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ … } [ سبأ : 29 ] استبطاء للعذاب . ثم يأمر الله تعالى نبيه أنْ يرد عليهم : { قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } [ سبأ : 30 ] هو يوم النصر عليهم ، كما في يوم بدر ، حيث أذاقهم الله الذلة والهوان والموت ، وقضى على جبروتهم ، أو هو يوم القيامة . والذي ضرب لكم هذا الميعاد هو القادر على إنفاذه ، وليست هناك قوة تمنعه سبحانه أنْ يفي بما وعد ، أو حتى يُؤخِّره لحظة واحدة ، وهو سبحانه العليم بأن الآيات الكونية لا تشذّ عما أراد سبحانه . وسبق أن بينَّا أن البشر حين يَعِدُون لا يملكون أسباب الوفاء بوعودهم ، لذلك علَّمنا ربنا - عز وجل - أن نحتاط لذلك فقال سبحانه : { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } [ الكهف : 23 - 24 ] . لأن الله يحب لعبده أن يكون صادقاً ، فحين يعلق فِعْله على مشيئة الله يُعْفِي نفسه من الكذب وإخلاف الوعد حين عدم الوفاء خاصة ، وهو لا يملك عنصراً واحداً من عناصره ، إذن : اطرح المسألة على مَنْ يملك كل هذه العناصر لذلك نُسمِّي الوعد من الناس وَعْداً ومن الله الوعد الحق يعني : الذي لا يتخلف أبداً . ومعنى { لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } [ سبأ : 30 ] أنه ميعاد مضبوط ، وكان الحق سبحانه يريد بذلك أنْ يستقبل الإنسانُ كلَّ المعطيات التي منحه الله ، وأنْ تظل دائماً في ذهنه لا يغفل عنها . وجاء يَوْمٍ نكرة مبهمة ، والإبهام هنا هو عَيْن البيان ، كما سبق أنْ أوضحنا ، فحين يبهم اللهُ مثلاً أجلَ الإنسان يظل دائماً متذكراً له ، ينتظره في أي وقت ، ويتوقعه في كل نفَس ، وفي كل لحظة دون أنْ يربطه بمرض أو غيره ، فالموت من دون أسباب هو السبب . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ … } .