Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 43-43)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { يَصُدَّكُمْ } [ سبأ : 43 ] أي : يصرفكم { عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ } [ سبأ : 43 ] وهذا دليل على أن عبادتهم ما دون الله كان مجرد تقليد للآباء ، وهم بقولهم هذا لم يأتوا بجديد ، فقد أخبر الله عنهم بهذا ، وهم ما يزالون في عالم الذرِّ يوم أخذ عليهم العهد والميثاق : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [ الأعراف : 172 - 173 ] . بعد أنْ قالوا في رسول الله قالوا في القرآن : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] الإفك : قَلْب الشيء عن موضعه أو قلب الحقائق ، ومن هنا سُمِّي الكذب إفكاً لأن الكذب أن تقول قضية يناقضها الواقع ، والصدق أن تقول قضية يؤيدها الواقع ، فحين تقلب الحقيقة فإنك تُغيِّر الواقع . ومن ذلك قوله تعالى : { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } [ النجم : 53 ] فالمؤتفكة هي القرى التي قلبها الله ، وجعل عاليها سافلها ، ومنه أيضاً قوله تعالى : { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [ الأنعام : 95 ] يعني : كيف تُصرفون عن الحق ، وتقلبونه إلى الباطل . ولَيْتهم وقفوا في وصف القرآن عند هذا الوصف ، إنما زادوا { مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] أي : متعمد . ثم يقول تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ سبأ : 43 ] معنى { إِنْ هَـٰذَآ } [ سبأ : 43 ] ما هذا الذي جاء به محمد { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ سبأ : 43 ] وعجيب أن يصفوا ما جاء به محمد بالسحر لأن السحر تخييل لأعين الناس ، وليس ما يفعله الساحر حقيقة ، إنما هو توهم لذلك قُلْنا : هناك فَرْق بين السحر الذي جاء به السحرة وعصا موسى عليه السلام . كان سحرهم كما قال تعالى : { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ } [ الأعراف : 116 ] وقال { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [ طه : 66 ] مجرد تخيُّلات لا حقيقة . إنما لَمَّا ألقى موسى عصاه صارت حيَّة حقيقية ، ولو لم تنقلب حية حقيقية ما خاف منها موسى ، كما قال تعالى : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [ طه : 67 ] . ولو لم تكن حية حقيقية ما آمن لموسى كبار السحرة ، فالقرآن يحكى عنهم أنهم بمجرد رؤيتهم لها قالوا : { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [ طه : 70 ] يعني المسألة ليست من موسى ، إنما من الله . إذن : فأين ما جاء به محمد من السحر ؟ وإذا كان محمد ساحراً سحر المؤمنين به كما تقولون ، فلماذا لم يسحركم أيضاً وتنتهي هذه المسألة ؟ ومعلوم أنه لا خيار للمسحور مع الساحر . إذن : هذا القول منهم كذب على سيدنا رسول الله وعناد ومكابرة لعدم قبول الحق الذي جاء به . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا … } .