Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 47-47)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأجر : هو الجُعل مقابل عمل ، وهذه العبارة قالها كل الرسل ، فقد علَّمهم الله أنْ يقول الواحد منهم لقومه : { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 109 ] كأنه في طيّ هذا الأسلوب ، أنه لو كان هناك تقييم منصف لكنتُ أستحق أجراً على رسالتي ودعوتي لأنني أجلب لكم بالهداية نفعاً كبيرا لأنه ليس صفقة في هذه الدنيا الفانية ، إنما نفعاً باقياً في حياة خالدة باقية . لكن الواقع أنني لا آخذ أجري منكم ، إنما آخذه من الله لأن العمل الذي أقوم به أكبر من أنْ تُقوِّموه بثمن ، والحق - سبحانه وتعالى - هو الذي يُقوِّم عملي ، وأنا واثق أنه سبحانه سيعطيني { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ } [ سبأ : 47 ] . ومعنى : { فَهُوَ لَكُمْ } [ سبأ : 47 ] يعني : إنْ كنتُ أخذتُ منكم أجراً ، فسوف أعمل لكم بهذا الأجر ، أو سيعود جزاؤه عليكم . وسبق أنْ قلنا : إن كل الرسل قالوا هذه العبارة إلا رسولين اثنين لم تَأْتِ هذه العبارة في سياق كَلامهما ، هما : سيدنا إبراهيم ، وسيدنا موسى عليهما السلام ، مما يدل على أن هذه المسألة مبنية بحكمة كبيرة عالية ، فلماذا إبراهيم وموسى بالذات من بين كل الرسل ؟ قالوا : لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام أول ما واجه المخالفين واجههم في عمه ، فلما صادمه عمه ، ورفض دعوته اعتزله ، واكتفى بأن يدعو له ، وليس من المعقول أنْ ينتظر أجراً من عمه لذلك لم تأْتِ في كلامه مسألة الأجر هذه . كذلك موسى - عليه السلام - كانت أول دعوته لفرعون ، الذي قال له : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } [ الشعراء : 18 ] يعني : إنْ كان يستحق أجراً على دعوته لفرعون ، فسوف يستحي أن يطلب منه الأجر ، وقد تربَّى في بيته ، وفي رعايته . وكلمة { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ } [ سبأ : 47 ] تحتمل معنيين : أنني أخذتُ أجراً وأعطيته لكم ، أو أنا من الأصل لم أسألكم أجراً ، ثم تختم الآية بقوله تعالى : { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ سبأ : 47 ] يعني شاهد علينا جميعاً ، ويعلم ما قاسيته في سبيل دعوتكم إلى الحق ، ويعلم ما فعلتموه معي من عناد وتعنُّت ، وهو سبحانه سيُغلى أجري على قدر معاناتي وما تحملتُه في سبيل هدايتكم ، والأخذ بأيديكم إلى ساحته . وإذا كان الإنسان إنْ عمل عملاً لا بُدَّ أنْ يكون له حَظٌّ منه ومَغْنم ومنفعة ، فرسول الله لم يسألكم حتى الأجر على العمل ، فبأيِّ شيء تتهمونه بعد ذلك ؟ بعد ذلك أراد الحق سبحانه أنْ يُوضِّح لنا أمراً يتعلق بالحق الذي جاء به رسول الله ، فالكفار كانوا يعترضون على شخص رسول الله ، بدليل قولهم : { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا … } [ ص : 8 ] ، وقالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . فهم يعترفون بالقرآن ويعلمون أنه ذِكْر ، وأنه لا غبارَ عليه ، المشكلة أنه نزل على هذا الرجل بالذات ، ولم ينزل على واحد منهم من عظماء القوم لذلك أراد الحق سبحانه أنْ يقول إن إنزال مناهج الله للأرض لا بُدَّ أن تنزل على مصطفًى يصطفيه الله ، لا مصطفًى يصطفيه الخَلْق ، فلا معنى لقولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . لذلك يردُّ الحق سبحانه عليهم بالحجة : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [ الزخرف : 32 ] . وقال سبحانه : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] . ورحمة الله هي ما ينتفع به الناس ، إما في الدنيا ، وهذه رحمة تشمل المؤمن والكافر ، وإما رحمة في الآخرة ، وهذه للمؤمن دون الكافر ، وهذه الرحمة الأخروية دائمة باقية في نعيم لا يفوتك ولا تفوته ، فإذا كنتُ أقسم لكم أرزاقكم ومعيشتكم في الحياة الدنيا ، فكيف أَكِلُ إليكم اختيار مَنْ يرحمكم في الآخرة ؟ هل أقسم لكم الرحمة الموقوتة . وأترك لكم الرحمة الباقية ؟ ثم ينحو القرآن معهم منحىً آخر بعد أنْ وعظهم وتودَّد إليهم ، فيقول سبحانه : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ … } .