Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 51-51)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ } [ سبأ : 51 ] أسلوب شرط ورد عدة مرات في القرآن الكريم ، وتلحظ أن السياق لم يذكر له جواباً ، واقرأ : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } [ سبأ : 31 ] . { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا … } [ الأنعام : 27 ] . فالجواب هنا محذوف لأنه معلوم من السياق ، فالتقدير هنا : ولو ترى يا محمد إذ فزعوا يوم القيامة أرأيتَ شيئاً عظيماً وأمراً عجيباً يريح قلبك ، وينتقم لك جزاءَ ما كذَّبوك وعاندوك ، وقد ورد هذا المعنى أيضاً في قوله تعالى : { هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 36 ] . فالذين طغَوْا وتجبَّروا في الدنيا ، وصادموا كلمة الحق ، وكانوا عُتَاة وفراعنة تراهم في الآخرة حين يصيبهم فزعها بسابس قططاً وأرانب . ومعنى { فَلاَ فَوْتَ } [ سبأ : 51 ] لا مهربَ ولا نجاةَ لهم لأن الإنسان قد يفزع ويخاف من شيء ، لكن يستطيع الهرب منه ، أو ربما ينقذه أحد ، أما هؤلاء فسوف يفزعون دون منقذ ودون مهرب ولا مفر ، وهذا يشفي صدرك وصدور المؤمنين الذين أوذوا معك في سبيل نشر دعوة الحق . فكما وقفوا في وجه دعوة الله سيقفون يوم القيامة موقفَ الذلة والمهانة ، وتأمل : { مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } [ سبأ : 31 ] { وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ } [ الأنعام : 27 ] { وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } [ الأنعام : 30 ] يعني : ينتظرون أنْ يُؤذَن لهم ليرَوْا ماذا سيقول شفعاؤهم الذين عبدوهم من دون الله ، لكن يُفاجأون بأن شفعاءهم وكبراءهم يسبقونهم إلى النار ، ويتقدمونهم إلى العذاب كما تقدَّموهم في الضلال . لذلك يقول سبحانه : { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } [ مريم : 69 ] وقال عن فرعون : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } [ هود : 98 ] . وهكذا يُيئِّسهم الله من النجاة لأنهم كانوا ينتظرون هؤلاء الشفعاء وهؤلاء الرؤساء ليدافعوا عنهم ، فإذا بهم يتقدمونهم إلى العذاب . وهذه الوقفات التي ذكرناها للكفار يوم القيامة ، كل وَقْفة منها لها ذلة ، وكل وَقْفة لها فزعة ، وكل وقفة عذابٌ في حدِّ ذاتها ، وكأن الحق سبحانه يقول لنبيه : لو رأيت وقفاتهم وفزعهم لَشَفى غليلك ، ولعلمتَ أننا استطعنا أنْ نجازيهم بما يستحقون . وسبق أنْ مثَّلْنا لهذا الموقف بواحد فتوة أو فاقد يُذِل أهل بلده ويُخيفهم ، فالكل يخافه ويجامله ويتقي شرَّه ، وفي إحدى المرات قبضتْ عليه الشرطة وساقوه في السلاسل ، فترى أهل البلدة فرحين يتغامزون به ، ونسمع فعلاً في مثل هذا الموقف مَنْ يقول لو شفتْ اللي حصل لفلان ، والمعنى : رأيتَ أمراً عجيباً لا يُتخيَّل في الذهن . ومعنى : { وَأُخِذُواْ } [ سبأ : 51 ] أُهْلِكوا { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ سبأ : 51 ] هو موقف القيامة ومكان الحساب ، يعني : لم يترك لهم الحق سبحانه بحبوحة ، إنما أخذهم من الحساب إلى النار . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ … } .