Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 7-7)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } [ سبأ : 7 ] معلوم أن القول يحتاج إلى قائل ، وإلى مقُول له ، القائل هم الذين كفروا ، قالوا : لمن ؟ قالوا بعضهم لبعض وهم يتسامرون ، أو قال المتبوع منهم لتابعه الذي يقلده . أما قولهم فهو { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ سبأ : 7 ] . ويلفت أنظارنا في هذا القول أنهم وصفوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة رجل ، وهي نكرة قصدوا بها الاستهزاء والاستنكار والتقليل من شأنه صلى الله عليه وسلم . وهذا في حد ذاته يدل على غبائهم وتغفيلهم ، فهم أنفسهم الذين وصفوه بأنه رسول الله حين قالوا كما حكى القرآن عنهم : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ … } [ المنافقون : 7 ] فدلَّ ذلك على غبائهم . وهم أيضاً الذين قالوا - لما فَتَر الوحي عن رسول الله - إن ربَّ محمد قلاه ، وهذا عجيب منهم ، فعند المحنة والسوء يعترفون أن لمحمد رباً . وقولهم { يُنَبِّئُكُمْ … } [ سبأ : 7 ] من النبأ ، ولا يُطلَق إلا على الخبر الهام وليس مطلق الخبر ، فمثلاً حين أقول لك : أكلتُ اليوم كذا وكذا ، وذهبتُ إلى مكان كذا لا يُعَدُّ هذا نبأ لأنه خبر عادي ، أما النبأ فخبر عجيب وهام وعظيم ، كما جاء في قول الله تعالى : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [ النبأ : 1 - 2 ] . ومعنى { إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ … } [ سبأ : 7 ] التمزيق : إبطال الكل عن أجزائه ، وإبعاد الأجزاء بعضها عن بعض ، فمثلاً أنا أجلس الآن على كرسي ، هذا الكرسي كُلٌّ مكوَّن من أجزاء : خشب ومسامير وغِراء وقطن وقماش … إلخ ، فتمزيق هذا الكل أن أفصل هذه الأجزاء عن بعضها ، فينهدم هذا الكل إلى أجزاء . وينبغي هنا أن نُفرِّق بين الكل والكلى : الكل مكوَّن من شيء كثير ، لكنه مختلف في الحقيقة ، فالخشب غير المسمار غير الغِراء غير القماش ، فكل جزء له تكوينه الخاص . أما الكلي فيُطلق على أشياء كثيرة منفصلة ، إلا أنها متفقة في الحقيقة ، كما نقول مثلاً : إنسان بالنسبة للأفراد شيء كلي لأن الإنسان يُطلق على كل المجموع ، بحيث يُقال عن كل فرد : إنسان ، إنما في الكل لا أقول الخشب كرسي . هذا هو التمزيق ، فماذا أضافت { كُلَّ مُمَزَّقٍ … } [ سبأ : 7 ] ؟ أي : تمزيقاً شديداً يُمزِّق الكل ، ويمزِّق الجزء ، إذن : التمزيق له مراحل وصور ، فمعنى { مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ … } [ سبأ : 7 ] استقصاء لأصغر شيء يصل إليه الممزَّق ، وهذا التمزيق نشاهده في تحلل الميت وتفكُّك أجزائه وعناصره ، حتى تذهب في الأرض ، لا يبقى لها أثر . ومن ذلك قولهم : { وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ … } [ السجدة : 10 ] . فمعنى { ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ … } [ السجدة : 10 ] أي : ذهبنا فيها وغِبْنا في متاهتها . والتمزيق له أسباب متعددة ، فمَنْ يموت ويُدفن تمزِّقه الأرض ، ومَنْ يموت محروقاً تمزِّقه النار ، وربما تذروه الرياح وتتبعثر ذراته ، ومَنْ تأكله الحيوانات والطير … إلخ . ومع هذا التمزيق والتفتيت والبعثرة تستطيع قدرة الله أنْ تعيد الإنسان من جديد ، واقرأ : { قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ ق : 1 - 3 ] يستبعدون البعث ، فيردّ القرآن عليهم { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ … } [ ق : 4 ] يعني : لا تستعجبوا ، فكل ذرة تبعثرتْ نعلمها ، ونعلم مكانها ، ونقدر على إعادتها { وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [ ق : 4 ] يعني : ليس مجرد علم ، إنما علم مُسجَّل محفوظ ، لا يناله تغيير ولا تبديل . وقوله : { إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ سبأ : 7 ] الخلق الجديد أن يُعاد الشيء إلى أصل تكوينه ، كالذي يقلب البدلة مثلاً فتصير جديدة ، لماذا ؟ لأنه أعاد تكوينها من جديد . ثم يقول الحق سبحانه : { أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ … } .