Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 15-17)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
النداء في { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [ فاطر : 15 ] نداء عام للناس جميعاً ، المؤمن والكافر ، والطائع والعاصي { أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [ فاطر : 15 ] هذه حقيقة يُذِل الله بها كبرياء الذين تأبَّوْا على الإيمان بالله ، وتمردوا على منهج الله ، وكأن الله تعالى يقول لهم : ما دُمتم قد أَلِفْتم التمرد فتمردوا أيضاً على الفقر إنْ أفقرتُكم ، وعلى المرض إنْ نزل بكم ، تمردوا على الموت إن حان أجلكم ، إذن : أنتم مقهورون لربوبية الله ، لا تنفكون عنها . { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [ فاطر : 15 ] أي : الغِنَى المطلق ، ومعنى { ٱلْحَمِيدُ } أي : المحمود كثيراً ، والغنى لا يُحمد إلا أن أعطى ، وكان عطاؤه سابغاً ، فالغنى الممسِك لا يُحمد بل يُذَم . ثم يُذكِّرهم الحق سبحانه بحقيقة أخرى غابت عنهم { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } [ فاطر : 16 ] كما قال في موضع آخر : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] ومعنى : خلق جديد : الشيء الجديد هو قريب العهد بالعمل فيه ، مثل الثوب الجديد يعني الذي فُرِغ من خياطته ولم يُلْبَس بعد . وإعادة الخَلْق أو الإتيان بخَلْق جديد أمر هيِّن على الله { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } [ فاطر : 17 ] يعني : ليس صعباً ، لكن الحق سبحانه يريد أنْ يأتي له الخَلْق طواعية ، ويؤمنون به سبحانه ، وهم قادرون على الكفر ولهم مُطْلق الاختيار ، وهذا الاختيار موطن العظمة في دين الله . وسبق أنْ مثَّلنا هذه القضية بأنه لو أن لك عبدين أمسكتَ الأول إليك بسلسلة ، وتركتَ الآخر حراً ، وإنْ ناديتَ على أحدهما لبَّى وأجاب ، فأيهما يُعَدُّ الأطوع لك . كذلك الحق سبحانه يريدنا طائعين عن رضا وعن اختيار ، لا عن قهر وكراهية ، فالله سبحانه كما قلنا لا يريد قوالبَ تخضع ، إنما يريد قلوباً تخشع . والإتيان بخَلْق جديد أمر هَيِّن يسير على الله تعالى لأن الله تعالى لا يخلق بعلاج ، وإنما يخلق بكُنْ فيكون ، وهذا من الله تعالى لا يحتاج إلى زمن . ولو أردتَ أن تستقصي هذا المعنى في قوله تعالى : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] تجد أن الشيء في الحقيقة موجود بالفعل ، لكن في عالم الغيب والأمر ، له أن يظهر لنا في عالم الواقع لذلك لما سُئِلَ أحد العارفين قال : أمور يبديها ، ولا يبتديها . وتلحظ في قوله تعالى { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } [ فاطر : 15 ] ذكر ضمير الفصل هو فلم يَقُلْ الحق سبحانه : والله الغني ، وهذا الضمير أفاد توكيد الخبر وقصر الغِنَى على الله سبحانه وتعالى ، لذلك قلنا : إن هذا الضمير لا يأتي إلا فى المواضع التي تحتمل شبهة المشاركة ، كما في قوله تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 78 - 80 ] . فجاء هنا بضمير الغائب هو لأن الهداية والإطعام والسُّقْيا والشفاء من المرض كلها مظنة أنْ يشاركه فيها أحد من الخَلْق ، أما في الحديث عن الموت فقال : { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } [ الشعراء : 81 ] ولم يأتِ هنا بضمير الغائب لأن الموت والإحياء لله وحده ، ولا شبهةَ فيهما ، ولم يدَّعهِما أحد لنفسه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ … } .