Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 26-26)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذه سُنّة الله في المرسلين ، أنْ يأخذ الكافرين بهم والمعاندين لهم ، أرأيتم نبياً أسلمه الله أو انهزم أمام قومه المعاندين ؟ لقد وعد الله رسوله بالنصرة وبالتأييد ، فقال سبحانه : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ غافر : 51 ] . وقال : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] لذلك إنْ رأيتَ جندياً لله انهزم في شيء ولم يَغْلب ، فاعلم أن شرطاً من شروط الجندية تخلَّف ، وأول شرط للجندية لله الطاعة ، فإنْ خالف الجنديُّ أوامر الله فلا بُدَّ أنْ يُهزم ، لذلك قلنا : إن المسلمين انتصروا في بدر وهم فئة قليلة { كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 249 ] . ولم يَمْض على بدر سنة واحدة ، وحدثتْ أُحُد ، صحيح لم يُهزم المسلمون لكنهم أيضاً لم ينتصروا لأن المعركة ماعت ذلك لأن الرُّمَاة خالفوا أمر رسول الله وتخلَّوْا عن أماكنهم ونزلوا لجمع الغنائم ، وأراد الله تعالى تأديب عباده المخلصين فلا بُدَّ أنْ يهزَّهم هذه الهِزَّة العنيفة ، ويرَوْا هذه النتيجة لأنهم خالفوا . لذلك قلنا : إن الإسلام انتصر في أُحُد ، وإن كان المسلمون لم ينتصروا لأنهم لو انتصروا مع مخالفة أمر رسول الله لَهَانت على المسلمين أوامر رسول الله بعد ذلك ، ولقالوا : لقد خالفنا أوامره وانتصرنا في أُحُد إذن : كان لا بُدَّ من هذه النتيجة المائعة ليعلم المسلمون أهمية الطاعة والأُسْوة برسول الله . كذلك في حُنَين لما رأى الصِّدِّيق أبو بكر كثرة المسلمين ، فقال : لن نُغْلَب اليوم عن قلة - وكانوا عشرة آلاف مقاتل - فأراد الله أنْ يكسر هذا الغرور في المسلمين ، فكان التفوق للكفار في بداية المعركة حتى أحرجوا المسلمين ، لكن تداركتهم رحمة الله ، وكأن الله أراد أن يُصحِّح لهم الخطأ فحسب ، لا أن تنزل بهم الهزيمة . وحين نتأمل معنى : { ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ فاطر : 26 ] نجد أن الأَخْذ يدل على قوة الآخذ وقوة الجذب التي تستوعب كل أعضاء المأخوذ ، فعلى مستوى البشر نقول : أخذ فلان يعني ساقه أو شدَّه من مَجْمع ثوبه ومَلكه بقبضة يده ، أما لو قُلْت أخذه الله فأَخْذُ الله شديد ، أخذ عزيز مقتدر . لذلك يقول بعدها { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ فاطر : 26 ] أي : نكيري واعتراضي على ما فعلوا . والنكير هو الشيء الذي تستنكره وتغضب منه ، وما بالك بقوم أنكر الله مسلكهم وغضب عليهم ؟ لا بُدَّ أنْ يأخذهم أَخْذاً يُرضِي أولياءه ، ويُرضِي المؤمنين به . فقوله سبحانه : { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [ فاطر : 26 ] يعني : قُلْ لي يا محمد هل قدرتَ على مجازاتهم بما يستحقون ؟ وهذا المعنى واضح أيضاً في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إِلَىٰ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُواْ فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [ المطففين : 29 - 36 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا … } .