Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 33-33)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

تلحظ أن { جَنَّاتُ } [ فاطر : 33 ] جمع ، فهي جنات عِدَّة ، لا جنة واحدة ، وجنات عدن يعني : إقامة دائمة لا تنتهي ، ووصف الجنات هنا بالدوام لأن آدم عليه السلام سبق أنْ أُدخل الجنة ، لكن خرج منها ، أما جنة الآخرة فدائمة باقية لا يخرج منها مَنْ دخلها . وقوله تعالى { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } [ فاطر : 33 ] تلحظ أن الحق سبحانه ذكر هنا التحلية والزينة قبل الضروريات ، وهذا يعني أن الضروريات جاهزة مفروغ منها ، وهذه التحلية ستكون في الآخرة من الذهب ومن الحرير ، وهي من المحرَّمات على الرجال في الدنيا ، أما في الآخرة فشيء آخر . وكلمة أساور جمع أسورة وأسورة جمع سوار . مثل فؤاد وأفئدة ، فهي جمع للجمع ليدل على كثرتها ، وأنك ستُحلَّى إن شاء الله في الجنة بأساور كثيرة تملأ الذراع من المعصم إلى العَضُد ، ومعلوم أن السوار هو ما يتحلى به المعصم وتلبسه النساء للزينة في الدنيا ، كُلٌّ حسب إمكاناتها ، حتى أن بعض الغنيات يلبسْنَ أسورة عريضة في العضد يسمونها دُمْلُك لفرط غناها . وعجيب أن نرى بعض الرجال يتعجَّلون حلية الجنة ، لكن من غير طريقها ، فيلبسون الأساور ، وهو ما يُسمَّى الآن الانسيال . وذكر الحق سبحانه أساور الذهب في الحلية لأن الملوك قديماً كانوا يلبسونها ويتحلَّوْن بها ، وكان لكسرى سواران لهما قصة في تاريخنا ، فلما أسلم سراقة بن مالك ، وكان نحيلاً تشبه ذراعاه ذراعَيْ الماعز ، وكان بعض الصحابة يسخرون منه ، فنهاهم عن ذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قولة عرفوا معناها فيما بعد ، قال : " كيف بهما - يعني ذراعي سراقة - في سِوَاري كسرى ؟ " . فلما فتح المسلمون بلاد فارس وغنموا قصور كِسْرى وأمواله جار السِّواران من نصيب سُراقة عند توزيع الغنائم ، فلما رآهما عمر في يديه قال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذه الأساور { مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } [ فاطر : 33 ] الذهب معلوم أنه من الجبال ، واللؤلؤ من حِلْية البحر . وتأمل دِقَّة الأداء القرآني هنا : فلما تكلم عن الأساور جاء بجمع الجمع ليدل على الكثرة ، لكن لما تكلم عن الثياب قال { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [ فاطر : 33 ] بصيغة المفرد ، لماذا ؟ قالوا ، لأنك لا تحتاج إلى العديد من الثياب إلا لتردَّ عن نفسك البرد أو الحر ، وليس في الجنة شيء من هذا .