Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 34-34)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا قَوْل المؤمنين ساعة يتمتعون بنعيم الجنة ، فهم لا ينسوْنَ المنعِمَ سبحانه ، فيحمدونه أولاً على أنْ شَرَع لهم المنهج الذي أوصلهم إلى هذا النعيم ، ويحمدونه على أنْ نجَّاهم وأنقذهم من الكفر وهداهم إلى الإيمان . إذن : هذا حمد مركب . وكلمة { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } [ فاطر : 34 ] هي آخر ما يقوله المنعَّمون في الآخرة ، كما قال تعالى : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] . ومن لُطف الله بعباده وعَطْفه عليهم يُعلِّمهم كيف يحمدونه سبحانه ، ويُعلِّمهم هذه الكلمة الموجزة المكوّنة من مبتدأ وخبر : الحمد لله ، ذلك لأن الناس مختلفون في القدرة على الأداء البياني والتعبير البليغ ، فواحد بليغ قادر على صياغة الأسلوب الجميل وتنميق العبارات ، وآخر لا يجيد شيئاً من هذا لذلك علَّمنا الله تعالى كيف نحمده بلفظ سهل ميسور يتساوى فيه الجميع . لذلك جاء في مناجاة رسول الله لربه : " … لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك " . وقلنا : إن كلمة الحمد لله تستوجب سلسلةً لا تنتهي من الحمد ، فحين تقول على النعمة : الحمد لله . فهذه الكلمة في ذاتها نعمة تستوجب الحمد ، وتستحق الحمد ، وهكذا يظل الحق سبحانه محموداً ، ويظل العبد حامداً إلى ما لا نهاية . وقوله سبحانه { ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } [ فاطر : 34 ] هذه نعمة ثالثة تستحق الحمد ، فالحمد أولاً على النعم ، وثانياً على أنك حمدتَ الله على نعمه ، وثالثاً تحمد الله الذي أذهب عنك الحزن ، والحَزَن كل ما يُحزِنك أو يغمُّك ، أو هو استدامة الحزن في الإنسان . فالإنسان يسعد بالنعيم في الدنيا ويُسَرُّ به ، لكن يُنغِّصه عليه مخافة زواله ، فيعيش مهموماً حزيناً ، يخاف أنْ تفوته النعمةُ أو يفوتها هو بالموت ، أما في الآخرة فلا يفكر المرء في شيء من هذا أبداً ، فقد ذهب هذا الفكر مع ذهاب الدنيا ، والجزاء في الآخرة باقٍ دائم ، لا يفوتك ولا تفوته . وقولهم : { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } [ فاطر : 34 ] كأنهم يتهمون أنفسهم بالتقصير ، وأنهم ما أدَّوا حق الله كما ينبغي ، وأن ما هم فيه من النعيم ما هو إلا لأن ربهم غفور يتجاوز عن تقصيرهم ، وشكور يشكر لهم العمل الصالح بعد أنْ وفَّقهم له وأعانهم عليه . ثم يذكر الحق سبحانه إقرارهم بما وهبهم الله من نعيم ، فيقول : { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ … } .