Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 36-36)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اللام في { لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } [ فاطر : 36 ] تفيد الملكية والاختصاص ، كما نقول : فلان له كذا وكذا ، فكأنهم يتعلَّقون بها ، وهي تتعلق بهم تعلُّق المالك بالمملوك ، وساعةَ يدخلونها والعياذ بالله يودُّون الخلاص منها ولو بالموت ، على حَدِّ قول الشاعر : @ كَفَى بكَ دَاءً أنْ تَرَى الموْتَ شَافِياً وحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنَّ أَمانيا @@ نعم : يتمنَّوْنَ الخلاص ولو بالموت ، لكن هيهات لهم ذلك ، وهذا المعنى واضح في قوله تعالى في موضع آخر : { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [ الزخرف : 77 ] فالموت ليس عذاباً ، بل هو بالنسبة لهم راحة من عذاب أشدّ وأبْقى . وأذكر أن بعض المستشارين ادعى أن كتاب الله ليس فيه دليل على رَجْم الزانية المحصنة ، واستدل على ذلك بقوله تعالى في الإماء : { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] . على اعتبار أن الرجم لا يتجزأ ليكون فيه نصف رجم ، وما دام الرجم لا يتجزأ فلا رجمَ إذن . فربنا سبحانه وتعالى ألهم وقلنا والحمد لله : علينا أن نحدد أولاً ما العذاب ؟ العذاب : إيلام حَيٍّ ، وإذا ما جمعنا آيات القرآن في الموضوع بعضها إلى بعض ، وَضُحَتْ لنا الصورة وظهر المعنى ، فالله يقول في قصة هدهد سليمان عليه السلام : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ } [ النمل : 21 ] إذن : الموت أو الذبح أو القتل ليس عذاباً . والرجم إماتة ، والإماتة إنهاء للعذاب . والحق سبحانه وتعالى حين قال هذا النص شاء الله سبحانه أن يجعل لنبيه صلى الله عليه وسلم بياناً بهذا النص ، وفَرْق بين حكم تأخذه بالنص ، وحكم تأخذه بالتطبيق الفعلي من المشرِّع صلى الله عليه وسلم لأن النص يمكن لك أنْ تؤوله ، أما التطبيق الفعلي من رسول الله فلا تأويلَ فيه ، وقد ثبت أن رسول الله رجم بالفعل . ولو كان الأمر كما يدَّعي المستشار لكانت الآية : فعليهن نصف ما على المحصنات دون أن تذكر العذاب ، فقوله تعالى : { مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] يعني : لا من غيره ، فهو بيان للنصف ، نصف العذاب ، والرجم ليس عذاباً ، بل إنهاء للعذاب . ثم يخبر سبحانه عن حال أهل النار { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [ فاطر : 36 ] أي : أنه عذاب دائم لا ينقطع ولا يفتر ، فالإنسان مثلاً في الدنيا قد يُبْتلى - والعياذ بالله - بأنْ يُعتقل ويُضرب مثلاً ليُقرَّ بما حدث ، إلى أن يصير جسمه جسماً أطرش يعني : لا يشعر بالألم لكثرة الضرب لذلك مثل هؤلاء يُضرب جَلْدة ، أو عدة جلدات ، ثم لا يشعر بعدها بشيء ، ويصدق فيه قول الشاعر : @ مَنْ يَهُنْ يَسْهُلُ الهَوَانُ عَلَيْهِ مَا لجُرْحٍ ميِّتٍ إيلامُ @@ أو قَوْل الآخر : @ وكنتُ إذَا أَصَابَتْنى سِهَامٌ تَكسَّرَتِ النِّصَالُ على النِّصَالِ @@ إذن : عذاب الدنيا قد يُخفَّف ، ولو بهذه العادة الرديئة ، وهي فقدان الإحساس بالعذاب حين يفقد الجلد اتصاله بالمخ ، أما عذاب الآخرة فلا يُخفَّف عنهم مهما طال بهم لذلك يقول تعالى في موضع آخر : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [ النساء : 56 ] .