Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 35-35)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى : { أَحَلَّنَا } [ فاطر : 35 ] أدخلنا وجعلها محلاً لنا { دَارَ ٱلْمُقَامَةِ } [ فاطر : 35 ] أي : الإقامة الدائمة والمراد الجنة ، فالجنة دار إقامة دائمة . أما الدنيا فما هي إلا معبر إلى الآخرة ، ولا تُسمَّى دار إقامة . وهذه الجنة جعلها الله محلاً لهم ليس بأعمالهم ، إنما بفضل من الله وتكرُّم ، حتى إنْ كان لك عمل صالح فهو راجع إلى تشريع الله لك . إذن : كله يعود إلى فضل الله . وقولهم : { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا } [ فاطر : 35 ] أي : في الجنة { نَصَبٌ } [ فاطر : 35 ] أى : تعب ومشقة { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } [ فاطر : 35 ] يعني : إعياء وفتور نتيجة التعب من حركات الأجهزة . والإنسان مِنَّا في سعيه في الدنيا يتعرض لكثير من المشاق ، حتى أننا نقول يضرب في الأرض يعني : يسعى فكأنها عملية مرهقة شاقة يعود الإنسان منها مُتْعباً مُنْهكاً ، هذا هو اللُّغُوب إلى أنْ ترتاح منه وتستجم ، وتعود لك قوتك ونشاطك للعمل من جديد . ومن هذا المعنى قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ ق : 38 ] . وقال بعضهم : النَّصَب : تعب الجوارح . واللغوب : تعب الصدور ، ويُراد به الهم الذي يشغل بال الإنسان . وهذا المعنى قال فيه شوقي رحمه الله : @ لَيْسَ بِحِمْلٍ مَا أطَاقَ الظهْرُ مَا الحِمْلُ إلاَّ مَا وَعَاهُ الصَّدْرُ @@ والإمام على رضي الله عنه لما سُئِل عن أشدِّ جنود الله في الأرض ، قال : الهَمّ . فإنْ تسلط على إنسان أقلقه وأقضَّ مضجعه لذلك قالوا : والهمّ يغلب النوم ، فكان أشد منه ، وما يزال الهم بالإنسان حتى يصير نحيلاً بعد البدانة ، كما قال المتنبي : @ والهَمُّ يغتنم الجَسِيمَ نَحَافَةً ويُشِيبُ نَاصِيةَ الصَّبِيِّ ويُهرِمُ @@ بعد أنْ حدَّثنا الحق سبحانه وتعالى عن أهل الإيمان المصطفين من عباده ، وعن جزائهم في جنات عدن لتستبشر النفس ، وتتفتح إلى بشارات الأتقياء يذكر سبحانه ما يقابل ذلك من نذارات الأغبياء ، وذِكْر المقابل يزيد المعنى وضوحاً ، وهو سِمَة من سمات الأسلوب القرآني ، كما في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 13 - 14 ] . وقوله سبحانه : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ التوبة : 82 ] . كذلك هنا يقول سبحانه : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ … } .