Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه يمتنُّ على عباده ويُذكِّرهم بنعمه عليهم ، ويذكر أول هذه النِّعم ، وهي نعمة الخَلْق من عدم ، وأراد سبحانه أنْ يبرز لهم هذه المسألة إبرازاً يشاركه - سبحانه وتعالى - فيه ، فلم يأت الأسلوب في صورة الخبر : أنا خلقتكم . إنما جاء في صورة الاستفهام ليقولوا هم ويُقِرُّوا { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } [ فاطر : 3 ] . ومعلوم أن الخبر عُرْضة لأنْ يُكذَّب ، أمّا الاستفهام فلا تستطيع أن تكذبه ، وأنت لا تستفهم عن شيء فعلْتَه إلا إذا كنتَ واثقاً أن الإجابة ستأتي على وَفْق مرادك ، فحين ينكر شخصٌ جميلَك لا تقول له : فعلتُ لك كذا وكذا لأنه ربما كذَّبك ، إنما تقول : ألم أُقدِّم لك كذا يوم كذا ؟ حينئذ لا يستطيع إلا أن يُقرَّ بجميلك ، فلن يجد إجابة عن سؤالك إلا الإقرار . كذلك الحق سبحانه يُقرِّرهم بنعمه ليكون الإقرارُ حجةً عليهم ويسألهم ، وهو سبحانه أعلم { هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ } [ فاطر : 3 ] ثم يذكر هو سبحانه النتيجة { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ فاطر : 3 ] ولم يقولوها هم لأنهم مربوكون وكان المنطق : ما دام هو سبحانه الخالق الرازق فعليهم أنْ يؤمنوا به ، وقالها سبحانه بصيغة الغائب { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ فاطر : 3 ] ولم يقُلْ إلا أنا ، كأنه سبحانه هو الشاهد في هذه المسألة ، كأنه يتكلم عن الغيب . وقوله { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [ فاطر : 3 ] يعني : كيف بعد هذا تُصرفون عن توحيده وعن الإيمان به ، وتُؤفكون من الإفك ، وهو قَلْبُ الشيء عن موضعه وصَرْفه عن محله ، ومن ذلك المؤتفكة ، وهي القرى التى أهلكها الله ، فجعل عاليها سافلها ، وقَلَبها على وجهها . والإفْكُ أيضاً بمعنى الكذب لأنه يقلب الحقيقة ، فكأن الحق سبحانه يقول لهم : كيف تقلبون الحقائق ؟ وكيف تصرفون خَلْق الله ورِزْق الله إلى غيره سبحانه ؟ يعني : قولوا لنا عِلّة ذلك . وبعد أنْ تكلَّم الحق سبحانه عن الوحدانية والألوهية أراد أنْ يتكلم سبحانه عن مُرْسَل الألوهية إلى الخَلْق : { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ … } .