Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 2-2)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ما دام أنه - سبحانه وتعالى - هو الخالق ، هو الخالق ، فمقتضى الخَلْق أنْ يوفر الله للمخلوق ما يصلحه ، فهو أولاً يحتاج إلى رحمة في بقاء حياته لذلك يُنزل سبحانه المطرَ فيحيى الأرضَ بالنبات ليزرع الإنسان ويأكل ويشرب ، وهذا قِوَام حياته المادية ، ثم يوفر له أيضاً قوام حياته الروحية والمعنوية ، فيُنزل عليه ما يحفظ قيمه ، وما يُنظم حياته بأدب مع غيره ، وهذا هو المنهج الذي قال الله فيه { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [ الزخرف : 32 ] . وهذه الرحمة إنْ أرادها الله بعبد ، فلا أحدَ يمنعها عنه { مَّا يَفْتَحِ } [ فاطر : 2 ] يعني : يعطي ويمنح { فَلاَ مُمْسِكَ } [ فاطر : 2 ] فلا مانع ولا حابس لها { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ } [ فاطر : 2 ] لا معطي { لَهُ مِن بَعْدِهِ } [ فاطر : 2 ] أي : من بعد الله . وتأمل الأسلوب القرآني في { مَّا يَفْتَحِ } [ فاطر : 2 ] مقابلها يغلق ، لكن الحق سبحانه لم يَقُل : وما يغلق ، إنما { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } [ فاطر : 2 ] لماذا ؟ قالوا : لأن المغلَق ربما تمكَّن أحد من فتحه بالحيلة أو بالقوة ، أما { وَمَا يُمْسِكْ } [ فاطر : 2 ] فلا أحدَ يستطيع أنْ ينال شيئاً أمسكه الله . ومن معاني هذا الفتح وهذه الرحمة : الرسالة التي خَصَّ الله بها سيدنا رسول الله لذلك قال الكفار { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . وقالوا : { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ ص : 8 ] . فردَّ الله عليهم : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ الزخرف : 32 ] . يعني : تأدبوا مع الله ، فهو الذي قسم لكم أمور الدنيا وأمور المعايش ، أيترك لكم ولأهوائكم أنْ تُقسِّموا الوحي ، وأنْ تجعلوه ينزل على مَنْ تهوون ؟ والفتح : إزالة حاجز بين شيئين ، ومنه حِسيٌّ كما نفتح الباب أو الشنطة مثلاً ، كما ورد في القرآن : { وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } [ يوسف : 65 ] . وقد يكون الفتح أمراً معنوياً كالفتح بالخير ، أو بالرحمة كالوحي الذي اختص الله به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه قوله تعالى : { أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ } [ البقرة : 76 ] يعني : من الوحي الموجود في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا فَتْح معنوي بالخير وبالبركة . ومن معاني الفتح : الفصل وفضّ الإشكال بين الخصوم ، كما في قوله سبحانه : { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [ الأعراف : 89 ] . وعِلَّة قوله تعالى : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا … } [ فاطر : 2 ] لأنه سبحانه واحد لا شريك له ، ولا إله غيره ، فلو كان معه إله آخر لكان له رأي آخر ، أمَّا الحق سبحانه وحده فيتصرف في مُلْكه تصرُّف مَنْ لا شريكَ له ، وإلا فكيف يثق بأنه حين يقول للشيء كُنْ فيكون أن الشيء يطيعه ؟ فالله يقول هذا الأمر ، وهو يعلم أن الشيء سيطيع ، فلا أحدَ يستطيع أنْ يقول له لا تطع ، لذلك أول مَنْ شهد بالألوهية والوحدانية الواحدة هو الله سبحانه ، شهد بها لنفسه سبحانه ، فقال : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ آل عمران : 18 ] وهذه شهادة الذات للذات ، لذلك أقبل على الأشياء بكُنْ فكانت ، وسمعت ، وأطاعت ، ونفذت . واقرأ : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } [ الانشقاق : 1 - 2 ] يعني : سمعتْ بوعى وحَقّ لها أنْ تسمع ، وأن تطيع لأنه ليس لها إله آخر يعارضها إنْ أطاعتْ . وبعد أنْ شهد الحق سبحانه لنفسه شهادة الذات للذات شهدتْ بذلك الملائكةُ شهادةَ المشاهدة ، ثم شهد أولو العلم شهادةَ التدليل : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ … } [ آل عمران : 18 ] . ثم تُذيَّل الآية بقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ فاطر : 2 ] نعم ، ما دام أنه تعالى إله واحد لا شريك له ، يرسل رحمته لمن يشاء ، ويمسك عَمَّنْ يشاء فهو عزيز ، والعزيز هو الذي لا يُغْلَب ولا يُمَانع ، لكن هذه العزة وهذه الغلبة ليست صادرة عن بطش أو ظلم أو جبروت ، إنما صادرة عن حكمة { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ فاطر : 2 ] فهو سبحانه حكيم في عطائه ، حكيم في منعه ، والحكمة - كما قلنا - هي وَضْع الشيء في موضعه المناسب . ثم يقول الحق سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ … } .