Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 41-41)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نَعَم ، الله وحده هو الذي يُمسك السماوات أنْ تقع على الأرض ويمسك السماوات والأرض أن تزولا يعني : تتحرك من أماكنها ، وتسقط وتتهدم ، ولو تركها الخالق سبحانه ما استطاع أحد أنْ يُمسكها { مِّن بَعْدِهِ } [ فاطر : 41 ] أي : سِوَاه ، وهذه المسألة لله وحده ، ليس له فيها شريك ولا معارض ، وهي من صميم { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] . والحق سبحانه يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، لأنه سبحانه خلق السماوات بغير عَمَد ، وبغير دعائم تحملها { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [ لقمان : 10 ] . وأرني غير الله يستطيع أنْ يرفع هذه القبة الزرقاء هكذا بغير عَمَد ، إن قصارى ما وصل إليه التقدم البشري بناء كوبرى مثلاً يمتد لعدة مترات بدون دعائم في وسطه ، مع أنهم يستعيضون عن ذلك بدعائم أقوى في أطرافه ، بحيث تحمل الوسط وتشده ويسمونها الكباري المعلَّقة ، فأين هذا من رفع السماء ؟ والسماء كما قلنا : هي كلُّ ما علاك ، فالله يمسك السماء بما فيها من نجوم وأقمار وكواكب ومجرات ، ويمسك الأرض أنْ تميد بأهلها ، وأن تضطرب بهم . ولما تكلم العلماء في هذه المسألة قالوا : إنها الجاذبية التي تمسك الأشياء ، لكن إنْ كانت الجاذبية للأرض ، فلماذا لم تجذب النجوم مثلاً ، وهي بين السماء والأرض ؟ إذن : المسألة قدرة إلهية ، ونظام للكون مُحكم ، يجعل لكل مخلوق في السماوات والأرض ما يحفظ توازنه ويمسكه أنْ يقع . و إنْ في قوله تعالى : { وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا } [ فاطر : 41 ] يعني ما يمسكهما ، فهي بمعنى أداة النفي ، كما في قوله تعالى : { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ } [ المجادلة : 2 ] . وتُختم الآية بقوله تعالى : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } [ فاطر : 41 ] ولك أنْ تسأل : ما علاقة هاتين الصفتين لله تعالى الحليم والغفور بمسألة إمساك السماوات والأرض ، وهي مسألة كونية ؟ قالوا : لأن هذه المسألة يكثر حولها الجدال ، وكثيراً ما يتعدى الإنسانُ حددوه فيها ، فيسأل عمّا لا ينبغي له الخوض فيه ، وعن كيفية إمساك السماوات والأرض ، وهو يمشي في أنحاء الأرض ، ويركب الطائرة في جَوِّ السماء ، فلا يرى شيئاً ، ولا يرى أعمدة . وهذه مسألة لا دخلَ لنا فيها ، ويكفي أن الخالق عز وجل أخبرنا عنها بقوله : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } [ لقمان : 10 ] أي : لا يوجد لها عُمد بالفعل ، أو لها عمد ، لكن لا ترونها ويصح المعنيان ، وعلينا أن نقف عند هذا الحدِّ . فالحق سبحانه حليم لا يعاقب المتجرئين عليه ، الخائضين في حقه ، بل إن المنكرين لوجوده سبحانه لا يعاجلهم بالعقوبة ، ولولا حِلْمه تعالى كان دربكها على رؤوسهم . وقد ورد في الحديث القدسي : " قالت الأرض : يا رب ائذن لي أنْ أخسف بابن آدم ، فقد طَعم خيرك ومنع شكرك ، وقالت السماء : يا رب ائذن لي أنْ أسقط كِسفاً على ابن آدم ، فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك ، وقالت الجبال : يا رب ائذن لي أنْ أسقط على ابن آدم ، فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وقالت البحار : يا رب ائذن لي أنْ أُغرِق ابن آدم فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك . فقال تعالى : دعوني وخَلْقي ، لو خلقتموهم لرحمتموهم ، إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم ، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم … " . إذن : لولا حِلْم الله علينا ومغفرته لذنوبنا ما أمسك السماوات والأرض ، ولتهدَّمَ هذا الكون على مَنْ فيه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ … } .