Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 43-43)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نعم ، استكبروا على الحق ، فلم يقبلوه ، لماذا ؟ لأن هذا الحق جاء ليُنزلهم من عالي السيادة إلى العبودية المقترحة المستطرفة بين كل الخَلْق ، وهم أَلِفوا السيادة وتشقّ عليهم المساواة ، وأن يكونوا هم وعبيدهم كأسنان المشط . وكأن الحق سبحانه يرد عليهم : يا مَنْ تستكبرون عن قبول الحق بما لكم من السيادة ، أمَا كان يليق بكم أنْ تخزوا على عرضكم ، وتسألوا أنفسكم : مِنْ أين لكم هذه السيادة ؟ بالله ، لو أن الله تعالى مكَّن أبرهة من هدم الكعبة في حادثة الفيل ، وانصرف الناس إلى كعبة أخرى في صنعاء ، أكانت لكم سيادة ؟ أكانت لكم مهابة أو ذِكْر بين الناس ؟ إذن : كان عليكم أنْ تُعملوا عقولكم ، وأن تتأملوا هذه المهابة من أين ، وهذه الأرزاق التي تُسَاق إليكم من أين ؟ لقد كنتم تُحرِّمون على الناس أنْ يطوفوا بالبيت إلا وهم عرايا ليشتروا منكم الثياب . واقرأوا قول الله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 1 - 5 ] . لماذا فعل الله هذا بأصحاب الفيل ؟ يجيب الحق سبحانه في السورة بعدها : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 1 - 4 ] . يعني : ما فعلتُ هذا بأصحاب الفيل إلا من أجل قريش ، واستبقاء سيادتها ، وتوفير القوت والأمن لها ، لكنهم مع هذا كله استكبروا على منهجي وصادموا رسولي ، وعاندوه وكادوا له . { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } [ فاطر : 43 ] أي : برسول الله ، وبمَنْ آمن معه ليردُّوهم عن دينهم ، ولو علموا حيثية استكبارهم لهداهم هذا الاستكبار إلى الإيمان بمَنْ جعلهم كبراء . ثم يقرر الحق سبحانه هذه الحقيقة : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] فقد مكروا برسول الله وكادوا له ، وتآمروا عليه ، وآذوا المؤمنين به وعذَّبوهم ، لكن جعل الله كيدهم في نحورهم ، كما قال سبحانه في موضع آخر : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ } [ الأنفال : 30 ] أي : يسجنوك { أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] . لقد احتالوا للقضاء على دعوة الإسلام بكل ألوان الاحتيال ، فلم يُفلحوا ، حتى دبروا لقتله صلى الله عليه وسلم ، فخيَّب الله سَعْيهم ، وخرج رسول الله من بينهم وهم نيام ، وهو يحثو التراب على رؤوسهم ، ثم لما يئسوا من القضاء عليه بالحيلة لجئوا إلى الجن ، واستعانوا بهم ليسحروا رسول الله ، لكن نجَّاه الله منهم ، ثم حاولوا دسَّ السم في طعامه صلى الله عليه وسلم . وكأن الله تعالى يقول لهم : وفِّروا جهودكم ، فلن تُطفِئوا نور الله ، ولن تصدوا محمداً عن دعوته ، لا بالاستهزاء والسخرية ، ولا بالإيذاء والمكر والتبييت ، ولا حتى بالسحر . ومعنى : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] يعني : ينزل بهم ويحيط بهم ، وينقلب عليهم . ثم يقول سبحانه : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ } [ فاطر : 43 ] يعني : فما ينظرون إلا سنت الأولين في الرسل السابقين ، والسنة هي الطريقة والعادة المتبعة والموجودة ، فهل وجدوا في الرسل السابقين وفي الأمم السابقة أن الله أرسل رسولاً ثم خذله ، أو تخلَّى عنه ، ولم يهلك أعداءه والمكذبين به ؟ إن نصرة الرسل سُنة متبعة ، كما قال سبحانه : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] . ثم يؤكد الحق سبحانه هذا المعنى فيقول : { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } [ فاطر : 43 ] لماذا لا تتبدَّل سنة الله ولا تتحوَّل ؟ لأن الله تعالى أولاً ليس عنده بِدَاء ، ومعنى البِدَاء أنْ تفعل شيئاً ثم يَعِنّ لك أن تفعل أحسن منه ، وأيضاً لأنه سبحانه إله واحد ، لا ثاني له ، ولا شريك له ، فلا أحدَ يستدرك عليه ، أو يُغير فعله . ثم يقول الحق سبحانه : { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ … } .