Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 6-6)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما دام أنه عدو لك مُعْلِن العداء ، فلا يجوز لك أنْ تهادنه أو تستكين له وتطيعه لأنك حين تطيعه يستمرىء عداوته ضدك ، إذن : لا بُدَّ أنْ تعاديه ، وأنْ تُوفقه عند حدِّه ، كيف ؟ أضعف الإيمان أنْ لا تطيعه ، فإنْ أردتَ أن تكون أقوى منه فانتقم منه وغِظْه بأنْ تتجه إلى مقابل ما يطلب منك ، فهو يأمر بالسوء ، فافعل أنت الحسن يأمرك بالشر ، فاجتهد في الخير ، وكأنك تسخر منه وتُلقِّنه درساً لا يملك بعده إلا أنْ ينصرف عنك لأنك وظَّفْتَ عداوته لصالحك وانتفعتَ بها ، وهذا ما يغيظه . وتستطيع أنْ تأخذ بهذا المبدأ مع أيِّ عدو آخر ، سواء أكان من شياطين الإنس أو شياطين الجن ، تستطيع أن تجعل من عداوته لك حافزاً على الخير وعلى عشق كل ما هو جميل ، فالعاقل مَن استفاد من عدوه أكثر من استفادته من صديقه . وصدق القائل : @ عَدايَ لَهُم فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ فَلا أذهب الرحمَنُ عنِّي الأعَادِيا هُمُوا بَحَثُوا عَن زَلَّتي فَاجْتنبْتُها وهُمْ نافَسُونِي فاكتسبْتُ المَعَالِيا @@ فالمؤمن الحق يستطيع أن يستفيد من عداوة أعدائه في نواحٍ كثيرة ، فهو مثلاً يعمل ويجتهد ليتفوق على عدوه ، لا أنْ يتكاسل حتى يكون دونه منزلةً ومرتبةً ، يجتنب المعايب وأفعال السوء حتى لا يعطي لعدوه فرصة أنْ يشمت فيه … إلخ . كذلك نقول : إن بعض الصفات المذمومة في الناس فيها جوانب خير لو تأملناها ، فالبخيل مثلاً مكروه من الجميع ، لكن حين تتأمل وضعه تجده هو الذي يُعين الكريم على كرمه ، كيف ؟ رأينا كثيراً في القرى هذا النموذج : رجل كريم لا يساعده دَخْله على القيام بمتطلبات هذا الكرم وتبعاته من السماحة والبذل والعطاء والمجاملة … إلخ ، فكان كل فترة يبيع قطعةَ أرض لينفق منها ، فلمَنْ يبيع الكريم أرضه إذا لم يكن هناك البخيل الممسك ؟ فكأن البخيل يعين الكريم على كرمه . وإذا كان الكريم يأسرك بكرمه وتدان له بجميله ، فليس للبخيل جميل عليك ، ولست أسيراً له في شيء لذلك عَبَّر الشاعر عن هذا المعنى ، فقال : @ جُزِيَ البخيلُ عَلىَّ صالحةً منِّي لخِفَّتِهِ على ظِهْرِي @@ يعني : ليس له جميل عندي يجعلني عبداً لإحسانه . ومعنى { فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } [ فاطر : 6 ] أن تشحن كل طاقاتك وكل مواهبك لتربِّي فيك المناعة اللازمة ضد إغراءاته ووسوسته لك بالسوء ، فإنْ أردتَ الارتقاء في مناهضته ، فزِدْ من الحسنات التي يكرهها ، فإنْ جاءك في الصلاة ليفسدها علَيك فَغِظْه بأنْ تخشع فيها ، وتزيد في تحسينها . { إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ فاطر : 6 ] يعني : أصبح له حزب وجماعة يحاول أنْ يُكثِّرها لذلك قال تعالى في موضع آخر : { ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } [ المجادلة : 19 ] . ومعنى حزب : جماعة تعصَّبوا لفكرة يعملون من أجلها في مقابل جماعة أخرى لهم مناهضات ، ويعملون هم أيضاً لفكرة تخدمهم . والعِلَّة في أنه يدعو حزبه ليكونوا كثرة فيكثر المتخبطون في منهج الله والخارجون عنه في مقابل الإيمان والطاعة ، هذه هي العلة . أما قوله تعالى { لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ فاطر : 6 ] فاللام هنا لام العاقبة ومعناها : أنك تريد الشيء لعلة ، لكن تنتهي إلى علَّة أخرى ضد مطلوبك . وقوله : { مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ فاطر : 6 ] دلَّ على أن بينهم وبين النار أُلْفة ، وأنها تريدهم وتعشقهم حتى صارتْ بينهما مصاحبة . ثم يقول الحق سبحانه : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ … } .