Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 8-8)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الأسلوب في { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِه } [ فاطر : 8 ] أسلوب استفهام ، لكن لم يذكر المقابل له ، وتقديره هل يستوي ، ومَنْ لم يُزين له سوء عمله ؟ والحق سبحانه لم يذكر جواباً لأنه معلوم ، ولا يملك أحد إلا أن يقول لا يستويان ، لأن الناس منهم مَنْ يعمل السيئة ، ويعلم أنها سيئة ، ويكتفي بها لا يتعداها ، ومنهم مَنْ يتعدَّى فيفعل السيئة ويدَّعي أنها حسنة ، وهذا مصيبته أعظم لأنه ارتكب جريمة حين فعل السيئة ، وارتكب جريمة أخرى حين ادعى أنها حسنة ، هذا معنى : { فَرَآهُ حَسَناً } [ فاطر : 8 ] ، وهذا اختلال في الرؤية وضلال . لذلك يقول تعالى بعدها : { فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ فاطر : 8 ] وهذه الآية وقف عندها كثيرون ، يقولون : إنْ كان الله هو الذي يهدي ، وهو الذي يُضل . فلماذا يُحاسب الإنسان ؟ ولا بُدَّ لتوضيح هذه المسألة أن نُبين معنى يهدي ويُضل . يهدي يعنى : يدلُّه على طريق الخير ويرشده إليه ، وهذا الإرشاد من الله لكل الناس ، فمَنْ سمع هذا الإرشاد وسار على هُدَاه وصل إلى طريق الخير ، فكان له من الله العون وزيادة الهدى ، كما قال سبحانه : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] . أما الذي أغلق سمعه فلم يسمع ولم يَهْتَدِ فَضَلَّ الطريق وانحرف عن الجادة ، فأعانه الله أيضاً على غايته ، وزاده ضلالاً ، وختم على قلبه ليكون له ما يريد ، فلا يدخل قلبه إيمانٌ ، ولا يخرج منه كفر ، وهؤلاء قال الله فيهم : { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [ البقرة : 10 ] . لذلك يقول تعالى عن قوم ثمود : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [ فصلت : 17 ] . فمعنى { هَدَيْنَاهُمْ } يعني : دللناهم وأرشدناهم لطريق الخير ، ولكنهم رفضوا هذه الدلالة وعارضوا الله فضَلُّوا فأضلهم الله . يعني : زادهم ضلالاً . وسبق أنْ أوضحنا هذه القضية وقلنا : هَبْ أنك تريد أنْ تذهب إلى مكان ما ، ووقفتَ عند مفترق الطرق لا تدري أيهما يُوصِّلك إلى غايتك ، فذهبتَ إلى رجل المرور تسأله أين الطريق ، فدلَّك عليه فشكرته وعرفتَ له جميله ، فلما رآك مُطيعاً له ، شاكراً لفضله قال الله : لكن أمامك في هذا الطريق عقبة سأسير معك حتى تتجاوزها ، هكذا يعامل الحق سبحانه المهتدين : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] . وقد خاطب الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] وخاطبه بقوله : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] فأثبت له صلى الله عليه وسلم الهداية بمعنى الإرشاد والدلالة ، لكن نفى في حقِّه الهداية بمعنى المعونة على الهدى ، فالذي يُعين هو الله . ثم إن الحق سبحانه لم يترك هذه المسألة هكذا ، إنما بيَّن مَنْ يهديه ومَنْ يُضِلُّه ، فقال سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } [ المائدة : 67 ] وقال : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ الصف : 5 ] وأيُّ هداية للإنسان بعد أنْ كفر بالله ، وفَسَق عن منهجه ، وأفسد في البلاد ، وظلم العباد ؟ وقوله تعالى : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] يعني : لا تُهلك نفسك حسرة على عدم إيمانهم ، وهذا المعنى شرحه الحق سبحانه في قوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] . فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على هداية قومه ، يألم أشدَّ الألم حين يشرد أحد منهم عن طريق الإيمان لذلك قال تعالى عن نبيه محمد : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . ثم يقول سبحانه مُسلِّياً رسوله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } [ فاطر : 8 ] يعني : لا تَخْفى عليه خافية من أفعالهم ، وسوف يجازيهم ما يستحقون من عقاب على قَدْر ما بدر منهم من إعراض ، فاطمئن ولا تحزن . بعد ذلك ينقلنا الحق سبحانه إلى بعض الآيات الكونية الخاصة بنعمه سبحانه على الخَلْق ، فيقول تعالى : { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ … } .