Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 9-9)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى : يرسل الرياح يعني : يحركها ، وبتحريك الرياح يتم استيعاب خير الوجود كله ، ألاَ ترى أن الريح إذا سكنتْ يتضايق الإنسان ويحاول تحريكها بنفسه بيده أو بالمروحة مثلاً لأن حيِّزَك في التنفس لا يتم إلا بتحريك الهواء ، وتغيير ثاني أكسيد الكربون ليحل محلَّه الأكسوجين ، ولا تتم هذه العملية إلا بتحريك الهواء لذلك يقولون : إذا لم يمرّ عليك الهواء فمُرّ أنت عليه . يعني : حرِّكه أنت . ونتيجة حركة الرياح إثارة السحب { فَتُثِيرُ سَحَاباً } [ فاطر : 9 ] يعني : تُهيِّجه وتُحركه من أماكنه ، بحيث يذهب بعد تجمُّعه إلى حيث أراد الله أنْ ينزل المطر ، إذن : حركة السحاب ليست ذاتية ، وإنما تابعة لحركة الرياح ، وهذه المسألة تساعدنا في فهم قوله تعالى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [ النمل : 88 ] . فالجبال التي نحسبها ثابتة هي في الحقيقة تمر وتتحرك كحركة السحاب ، وكما أن السحاب لا يمر بذاته ، إنما بحركة الرياح ، كذلك الجبال لا تمر بذاتها ، إنما بحركة الأرض والجبال ثابتة على الأرض كالأوتاد لذلك تتحرك بحركتها : { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [ النمل : 88 ] . البعض لم يفطن إلى حركة الأرض التي تتبعها حركة الجبال ، فقال في قوله تعالى : { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } [ النمل : 88 ] أن هذا في الآخرة ، لكن أين هي الجبال في الآخرة والله يقول عنها : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } [ المعارج : 9 ] ثم ، كيف يمتنُّ الله عليها ويحتج ببديع صُنْعه في حركة الجبال في الآخرة ، حيث لا تكليف ، ولا موضع لتحنين القلوب وعَطْفها إلى الإيمان . هذا عن حركة الرياح ، أما عن سكونها ، فيقول تعالى : { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } [ الشورى : 33 ] والمراد : السفن التي تُسيِّرها الرياح ، فإنْ قُلْتَ : فهل يظل لهذه الآية هذا المعنى بعد التطور الذي طرأ على السفن ، وبعد أن تلاشتْ القلاع وحَلَّ محلها الآلات التي تُسيِّر السفن دون حاجة إلى حركة الهواء ؟ نقول : نعم ستظل الآية تحمل هذا المعنى إلى ما شاء الله لأن الاختراعات الحديثة لم تفاجئ خالقها عز وجل ، ومَنْ قال : إن الريح هو الهواء ؟ الريح هو القوة أياً كانت ، واقرأ قوله تعالى : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [ الأنفال : 46 ] يعنى : قوتكم أيّاً كانت قوة هواء ، أو قوة كهرباء ، أو قوة بخار ومحركات … الخ . ونلحظ في أسلوب هذه الآية أن الفعل { أَرْسَلَ } [ فاطر : 9 ] جاء في صيغة الماضي ، لكن تثير في صيغة المضارع ، ولم يقل سبحانه : فأثارت سحاباً ، قال : أرسل يعني : أمر أنْ ترسل ، فهذه مسألة انتهت وفُرغ منها ، أما إثارة السحاب وتحريكه فمسألة مُتجدِّدة مستمرة في كل لحظة ، فناسبها المضارع الدال على الحال والاستقبال . أو : أن المعنى { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } [ فاطر : 9 ] جاء في الماضي لأن الكلام عن الغيب ، والاسم الظاهر غيب وهو لفظ الجلالة ، ثم انتقل من الغيب في { أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ } [ فاطر : 9 ] إلى مقام المتكلم ، فقال { فَسُقْنَاهُ } [ فاطر : 9 ] كأن الله يلفتك بالنعمة إلى غيب هو الله تعالى ، فحين تستحضر أنه الله الذي فعل أصبحْتَ أهلاً لمكالمة الله لك . ومثال ذلك ما قُلْنا في سورة الفاتحة : { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الفاتحة : 1 - 4 ] هذا كله غيب إلى { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [ الفاتحة : 5 ] . ولم يقُلْ : إياه نعبد لينقلك من الغيب إلى الخطاب المباشر معه سبحانه لأنك أصبحتَ أهلاً لأنْ تخاطبه ويخاطبك بعد أن آمنتَ بالحيثيات الأولى في { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } [ الفاتحة : 2 - 4 ] . ومعنى { فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ } [ فاطر : 9 ] يعني : سُقْنا السحاب ، أو سُقْنا الماء بعد نزوله في جداول وأنهار إلى الأرض التي لا نَبْتَ فيها ، والتي يمكن أن تنتفع به ، وهذا أدلّ على قدرة الله ، وتأمل مثلاً ماء النيل الذي يروي السودان ومصر أين نزل ؟ وهذا دليل على أن رزقك سيأتيك مهما بَعُد عنك مصدره . فإذا ما استقر الماء في الأرض كانت النتيجة { فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } [ فاطر : 9 ] يعني : أحييناها بالنبات ، ثم يجعل الحق سبحانه من نِعَم إحياء الأرض الميتة دليلاً على نعمة أخرى موصولة في الآخرة ، فيقول سبحانه : { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } [ فاطر : 9 ] يعني : البعث يوم القيامة وإحياء الموتى من قبورهم . فَخُذْ مما تشاهد من إحياء الأرض دليلاً على صدق ما غاب عنك ، فكما أن الماء ينزل على الأرض الميتة فيُحييها ، كذلك حين تنزل الروح على مادة الإنسان المدفونة في الأرض يحدث لها النشور والبعث ، وتدبّ فيها الحياة . وسبق أن بيَّنا أن العلماء لما حللوا جسم الإنسان وجدوه مُكوِّناً من ستة عشر عنصراً . أولها : الأكسوجين . وآخرها : المنجنيز . وهي نفسها عناصر التربة التي ينمو فيها النبات . ثم يقول الحق سبحانه : { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً … } .