Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 18-18)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كأنهم يقولون للرسل : ما دُمْتم كذبتم على الله وقًلْتم { رَبُّنَا يَعْلَمُ … } [ يس : 16 ] في أمور نظنكم فيها كاذبين ، فقد تطيَّرنا بكم يعني : تشاءمنا . والتطيُّر من الطَّيَرة . وكانت عادة معروفة عند العرب ، فكانوا حين يريد الواحد منهم عمل شيء ، يأتي إلى طير فيزجره ويُطلقه ، فيرى إلى أين يطير : فإنْ طار إلى اليمين أمضى ما ينوي عليه ، وإنْ طار إلى اليسار أمسك وتشاءم ، وقد حَرَّم الإسلامُ هذه العادة ونهى عنها . وقولهم { لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ } [ يس : 18 ] أي : عما تقولونه من أنكم مُرْسَلُون بمنهج { لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ يس : 18 ] فجمعوا عليهم الرجم والعذاب الأليم ، والرجم غير العذاب ، الرجم رَمْيٌ بالحجارة حتى الموت ، فهو إنهاء للعذاب لأن التعذيب إيلام حي ، فمَنْ مات لا يستطيع أنْ تُعذِّبه ، لذلك قالت العرب : لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها . لذلك لما ادَّعى أحد القضاة أن القرآن ليس فيها نَصٌّ على الرجم : قلنا لهم : صحيح ، ليس في القرآن آية تنص على الرجم ، لكن أيهما أقوى في التقنين : الكلام أم الفعل ؟ أيهما يُعَدُّ حُجة ؟ لا شكَّ أن الفعل أقوى حجة ، لأن الكلام يمكن أنْ يؤوَّل ، أمَّا الفعل فلا تأويل فيه ، وقد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم الرجم في ماعز والغامدية . إذن : الاحتجاج هنا ليس بالنصِّ القولي ، إنما الفعل من رسول الله الذي فوَّضه الله في أنْ يشرع ، وأمرنا بطاعة أوامره ، فقال سبحانه : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] والحق سبحانه لا يأمرنا هذا الأمر إلا إذا كان قد ترك لرسول الله أموراً يُشرعها . وهذه من ميزاته صلى الله عليه وسلم على غيره من الرسل ، فكل رسول ما عليه إلا أنْ يُبلِّغ الحكم كما جاءه من الله ، أما سيدنا رسول الله فأُمِر أن يُبلِّغَ عن الله ، وترك له بعض الأمور ، وفوّض أنْ يشرِع فيها . لذلك جاءت هذه الآية : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] . لذلك حين نستقرئ آيات الطاعة تجد القرآن يقول مرة : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [ المائدة : 92 ] . ويقول في آية أخرى : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } [ آل عمران : 132 ] . ويقول : { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } [ النساء : 59 ] . فتكرار الفعل أَطِيعُوا يعني : أن الجهة مُنفكة ، فلله تعالى أمر وللرسول أمر ، يعني : أطيعوا الله في التقنين الإجمالي العام ، وأطيعوا الرسول في تفصيل ما أجمل ، ففي الزكاة مثلاً جاء الأمر العام بأداء الزكاة ، لكن لم يحدد الحق سبحانه له نصاباً ، هذا النِّصَاب بيَّنه سيدنا رسول الله . إذن : لله فيها أمر ، وللرسول أمر . أما إن جاء الأمر وأطيعوا واحداً وعطف رسول الله على الله ، ولم تُكرر الطاعة مع المطاع ، فاعلم أنَّ الأمر واحد قاله الله وقاله رسول الله ، فطاعة المطاع الثاني من باطن طاعة المطاع الأول ، كما في قوله سبحانه : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } [ النساء : 59 ] فلم يقُل : وأطيعوا أولي الأمر منكم لأن طاعة أولي الأمر من باطن طاعة الله وطاعة رسول الله ، وليس لهم طاعة مستقلة منفصلة ، بل طاعتهم في ظِلِّ طاعة الله وطاعة رسول الله . إذن : الاستدلال بالفعل أقوى من الاستدلال بالقول ، فإنْ قال قائل : نريد أنْ نسمع كلام الله في هذه المسألة نقول : نعم ، هناك كلام بالنصِّ وكلام باللازم ، والحق سبحانه حين تكلم عن الإماء في هذه المسألة قال : { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] . والعذاب كما قلنا : إيلام حَيٍّ أمَّا الرجم فهو إنهاء للحياة ، وإنهاء للعذاب لذلك بيَّن الحق سبحانه أن النصف للعذاب ، وهنا يُخرِج الرجم لأن الرجم لا يُنصَّف . إذن : فالنصف ليس على الإطلاق وكونه يخصُّ هنا العذاب ، فهذا يعني أنَّ عليهن الرجم أيضاً كاملاً ، لا يُنصَّف . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى في قصة سليمان عليه السلام والهدهد : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ } [ النمل : 21 ] إذن : العذاب غير الذبح وغير القتل . وقولهم : { لَنَرْجُمَنَّكُمْ } [ يس : 18 ] الرجم قد يُطلق على القول ، لنرجمنَّكم بالقول ، وقد يكون الرجم على حقيقته بشدة حتى الموت ، أو بهوادة ، فيُراد منه الإيلام .