Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 15-17)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فلما كذَّبوا وأنكروا للمرة الثانية كان لا بُدَّ من تأكيد الكلام على هذا النحو : { إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [ يس : 16 ] وكل كلمة من هذه العبارة فيها تأكيد ، أولاً بإنَّ ، ثم أسلوب القصر في تقديم الجار والمجرور إليكم ، ثم لام التوكيد في لمرسلون ، إذن : على قَدْر الإنكار يكون التأكيد ، وهؤلاء ينكرون الرسالة من عدة وجوه أولاً : { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ يس : 15 ] ، ثم { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ } [ يس : 15 ] ، ثم { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } [ يس : 15 ] . وقولهم : { مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } [ يس : 15 ] يعتبرون أن بشرية الرسل قَدْح في الرسالة ، لكن كيف تتحقق الرسالة إذا لم يكُنْ الرسول من البشر ؟ الحق سبحانه يناقشهم هذه المسألة في موضع آخر ، فيقول سبحانه : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً * قُل لَوْ كَانَ فِي ٱلأَرْضِ مَلاۤئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 - 95 ] . هذا أول ردٍّ عليهم ، فالذين يمشون على الأرض بشر ليسوا ملائكة . وفي موضع آخر يجاري الحق الخَلْق ، فيقول : وحتى لو جاء الرسول مَلَكاً لا بُدَّ أن ينزل على صورة البشر { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] وإلا كيف تروْنه ؟ وكيف تتلقَّوْن منه على صورته الملائكية . إذن : لا بُدَّ أنْ يكون الرسول من جنس المرسَل إليهم لتِصحَّ الأُسْوة فيه ، وكيف تتحقق الأسوة في الرسول الملَك ، وهو لا يعصي الله أصلاً ، والرسول مُطالب أنْ يُبلِّغ منهج الله ، وأنْ يُطبقه بنفسه ، لذلك قال سبحانه { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] يعني : يُطبق هو المنهج الذي جاء به قبل أن يُبلِّغه للناس . وقولهم : { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ } [ يس : 15 ] دلّ على غبائهم في الأداء ، فعجيب منهم أنْ يعترفوا لله تعالى بصفة الرحمة ، وهم لا يؤمنون به ، ومن مقتضيات هذه الرحمة أن يرسل إليهم رسولاً يدلُّهم على الخير ويدفعهم عن الشر ، إذن : يعترفون بالحيثية التي تدينهم ، ثم يزيدون على ذلك فيتهمون الرسل بالكذب : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } [ يس : 15 ] . وعندها يؤكد الرسل رسالتهم ، فيقولون : { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [ يس : 16 ] فكلمة { رَبُّنَا يَعْلَمُ } [ يس : 16 ] حلّت محلّ القسم : لأنهم يُشْهِدون الله على صِدْق رسالتهم ، والقسم عند العرب لإثبات قضية مختلف عليها ، وما دام قال الرسل { رَبُّنَا يَعْلَمُ } [ يس : 16 ] فالأمر إما أنْ يكون صحيحاً ، أو غير صحيح ، فإنْ كان غير صحيح فقد كذبوا على الله . وقد أجمع العرب على أن الكذبة الفاجرة تُوجب خراب الديار - هكذا يعتقدون - وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الكذب يجعل الديار بلاقع ، " ولما سُئِل صلى الله عليه وسلم : أيسرق المؤمن ؟ قال : نعم . أيزني المؤمن ؟ قال : نعم . أيكذب المؤمن ؟ قال : لا " . فالكذب مذموم منهيٌّ عنه ، حتى عند غير المؤمنين بدين لذلك رأينا كفار مكة لا ينطقون بكلمة التوحيد : لا إله إلا الله ولو كانوا يعلمون أنها كلمة تقال ليس لها مدلول لَقَالوها ، لكنهم يعلمون مدلولها ومعناها ، يعلمون أنها تعني أن العبادة لا تكون إلا لله ، وأن الأمر والنهي والسيادة لا تكون إلا لله … الخ لذلك تأبَّوْا فلم يقولوها ، لأنهم لا يريدون مدلولها . هؤلاء الكفار في تكذيبهم للرسل يعتقدون أنهم بذلك يَغَارُونَ لله وينتقمون من الرسل الذين يكذبون عليه سبحانه ، فيقولون : { قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ … } .