Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 38-38)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الشمس هي آلة الضوء الذي نسلخه عن الليل ، ومعنى { تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [ يس : 38 ] أي : لشيء ولغاية تستقر عندها ، والمتتبع لحركة الشمس يجد أن لها مطلعاً عاماً هو الشرق ، وهذا المطلع العام يُقسَّم إلى مطالع بعدد أيام السنة . إذن : فمطالع الشمس مختلفة لذلك رأينا قدماء المصريين في معابدهم يدركون هذه الحقيقة الكونية ويحسبونها بدقة ، ويجعلون في المعبد 365 طاقة ، تشرق الشمس كل يوم من واحدة منها بالترتيب ، إلى أنْ تصل إلى أخرها في آخر السنة . وقد عرف الإنسان أن للشمس مجموعة من الكواكب تدور حولها ، وسماها المجموعة الشمسية ، وهي تتكوَّن من سبعة كواكب : عطارد والزهرة والأرض والمريخ والمشتري وزحل ويورانوس ، وقد أغرتْ هذه السبعة بعض العلماء مثل الشيخ المراغي والشيخ محمد عبده أن يقولوا إنها السماوات السبع ، لكن في سنة 1930 اكتشف العلماء كوكباً آخر هو بلوتو ، وبعدها بعشرين سنة اكتشفوا كوكباً آخر هو نبتون ، فصاروا تسعة كواكب في المجموعة الشمسية ، كلها في السماء الدنيا ، ولا صلة بينها وبين السماوات السبع ، لكن حاول الشيخان تقريب المسائل الدينية للفهم . هذه الكواكب في المجموعة الشمسية لكل كوكب منها دورة حول نفسه ، ودورة حول الشمس ، من دورته حول نفسه ينشأ اليوم ، ومن دورته حول الشمس ينشأ العام ، والدورتان تختلفان في السرعة ، فإذا كانت دورة الكوكب حول نفسه أسرعَ من دورته حول الشمس كان يومه أطولَ من عامه . لذلك من الأشياء الملغزة التي تُقال في الجغرافيا : ما يوم أطول من عام ؟ يوم الزهرة أطول من عامها ، لأنهم لما حسبوا حركة الزهرة بالنسبة ليوم الأرض وجدوا أن عام الزهرة 225 يوماً من أيام الأرض ، ويومها 244 من أيام الأرض ، ذلك لأن سرعتها حول نفسها أكبر من سرعتها في دورتها حول الشمس . فمعنى { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [ يس : 38 ] أي : الشمس بمجموعتها ، وما يدور حولها من كواكب تجري إلى نجم يسميه علماء الفلك الفيجا والعرب تسميه النسر الواقع ، والشمس تجري بمجموعتها بسرعة 12 ميلاً في الثانية ، الشمس لها حركة والكواكب التي تدور حولها لها حركة ، وهذه أشبه ما تكون بإنسان يركب مركباً ، فكيف نحسب حركته وسرعته ؟ إن كان هو ساكناً فسرعته تساوي سرعة المركب ، وإذا كان يسير في نفس اتجاه المركب ، فسرعتُه تساوي سرعته في ذاته زائد سرعة المركب ، فإنْ كان يسير في عكس اتجاه المركب فسرعته تساوي سرعة المركب ناقص سرعته هو . ومعنى { لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا } [ يس : 38 ] المستقر إما أن يكون نهاية العام ، ثم تبدأ عاماً جديداً ، وتشرق من أول مطلع لها ، أو أن المستقر آخر عمرها ونهايتها حيث تنفض وتُكوَّر وتنتهي . لكن ، ما الذي يحرك هذه المجموعة الشمسية ؟ وكيف تجري بهذه السرعة ؟ ونحن نعلم أن الحركة تحتاج إلى طاقة تمدها ، فما الطاقة التي تحرك هذه المجموعة بهذه الصورة وهذا الاستمرار ؟ قالوا : إنها تجري ، لأن الله خلقها على هيئة الحركة والجريان ، لذلك تجري لا يُوقفِها شيء ، وستظل جارية إلى أن يشاء الله ، فلا يلزمها إذن طاقة تحركها ، ومثال ذلك قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } [ فاطر : 41 ] . وفي علم الحركة قانون اسمه قانون العطالة ، وهو أن كل متحرك يظل على حركته ، إلى أنْ تُوقفه ، وكل ساكن يظلُّ على سكونه إلى أنْ تُحركه ، وهذا القانون فسَّر لنا حركة الأقمار الصناعية ومراكب الفضاء التي تظل متحركة لفترات طويلة . ونتساءل : ما الفترة التي تحركها طوال هذه المدة ؟ إنها تتحرك لأنها وضعت في مجالها على هيئة الحركة فتظل متحركة لا يُوقِفها شيء لأنها فوق مجال الجاذبية . إذن : كل الذي احتاجته هذه الآلات من الطاقة هي طاقة الصاروخ الذي يحملها ، إلى أنْ يعبر بها مجال الجاذبية الأرضية ، أما هي فتظل دائرة بلا طاقة وبلا وقود . ثم يُذكِّرنا الحق سبحانه بفضله في هذه الحركة ، فيقول { ذَلِكَ } [ يس : 38 ] أي : ما سبق من حركة الليل والنهار وجريان الشمس { تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ يس : 38 ] يعني : كل هذا الجريان وكل هذه الحركة إنما هما بتقدير الله ، وكلمة { ٱلْعَزِيزِ } [ يس : 38 ] هنا مناسبة تماماً ، فالمعنى أنه تعالى العزيز الذي لا تغلبه القوانين لأنه سبحانه خالق القوانين . ثم يقول سبحانه : { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ … } .