Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 39-39)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
بعد أنْ تكلَّم الحق سبحانه عن الشمس وهي آلة الضوء ، تكلم عن القمر لأنه له مهمة يؤديها حين تغيب الشمس ، وكأن القمر استعار من الشمس بعض ضوئها لينير بالليل للذين لا يعملون إلا ليلاً كالعَسَس والحراس ورجال الأمن وعمال المخابز وغيرهم ، فالقمر كما تعلمون لا يضيء بنفسه ، إنما يعكس بعض ضوء الشمس ، فيأتي ضوؤه هادئاً لذلك يسمونه الضوء الحليم ، حيث يأتينا لا شعاعَ له ، ولا حرارة فيه . لذلك حين يُعدَّد لنا الحق سبحانه بعض آلائه ونِعَمه ، يقول { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ … } [ الروم : 23 ] . فإذا كان النوم مقصوراً على الليل ، فماذا كان يفعل هؤلاء الذين تقتضي طبيعة عملهم أنْ يعملوا بالليل ، ويرتاحون وينامون بالنهار ، فهذه الآية مظهر من مظاهر دِقَّة الأداء القرآني ، فإنْ كان الليل هو الأصل في النوم والراحة لجمهرة الناس ، فلا مانع من النوم بالنهار للقِلَّة القائمة على أمر النائمين بالليل . ومعنى : { قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } [ يس : 39 ] يعني : قدَّرنا سَيْره في منازل ومسافات ، هذه المنازل نشاهدها كل شهر في حركة القمر : التربيع الأول ، والتربيع الثاني ثم البدر … والقمر أسرع في حركته من الشمس لأنه يقطع فَلَكه في شهر ، بينما تقطع الشمس فَلَكها في سنة . وتأمل دِقَّة الأداء القرآني المبني على الهندسة العليا في قوله سبحانه : { حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } [ يس : 39 ] هذه صورة توضيحية لمنازل القمر مأخوذة من البيئة العربية ، فالعرجون هو عذْق النخلة الذي يحمل الثمار ، ونسميه السُّباطة ، وهي مكوَّنة من عدة شماريخ رفيعة ، لكن قاعدتها عند اتصالها بجذع النخلة عريضة ومفلطحة ، هذا العذق يَيْبَس ويضمر كلما تقادم ويعوج و يتقفع كلما جفَّتْ منه المائية ، وهذه الصورة توضح تماماً حركة القمر حيث يضمر ويتقفع إلى أنْ يتلاشى آخر الشهر . وإذا كان القرآن قد شبَّه القمر بالعرجون القديم ، فإن العرب تشبهه بقُلامة الظفر ، كما جاء في قول شاعرهم الذي راح يرقب ضوء القمر حتى يغيب فيتسلل إلى محبوبته : @ وَغَابَ ضَوْءُ قُمَيْرٍ كنتُ أَرْقُبهُ مثل القُلاَمَةِ قَدْ قُدَّتْ من الظُّفْر @@ ومن الحكمة أن نُشبِّه القمر العالي الذي لا ندركه بشيء دانٍ ندركه ، وأن نقول لك : هذا مثل هذا لتتضح الصورة . ثم يقول سبحانه جامعاً بين الشمس والقمر ، وبين الليل والنهار : { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ … } .